كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب، ومفاتحه بأيدي الرجال.
والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئاً دون فتح العلماء، وهومشاهد معتاد.
والشرط الثاني: أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد، فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين، وأصل ذلك التجربة والخبر.
أما التجربة فهو أمر مشاهد في أي علم كان، فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما، ومابلغه المتقدم، وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي، أونظري، فأعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم، ودينهم، على خلاف أعمال المتأخرين، وعلومهم في التحقيق أقعد.
فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة، ليس كتحقق التابعين، والتابعون ليسوا كتابعيهم، وهكذا إلى الآن، ومن طالع سيرهم، وأقوالهم، وحكاياتهم، أبصر العجب في هذا المعنى.
وأما الخبر ففي الحديث: " خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.." وفي هذا إشارة إلى أن كل قرن مع مابعده كذلك..
فلذلك صارت كتب المتقدمين، وكلامهم، وسيرهم، أنفع لمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم على أي نوع كان، وخصوصاً علم الشريعة، الذي هو العروة الوثقى، والوَزَر الأحمى وبالله تعالى التوفيق) (1)
(1) الموافقات 1/96 ـ 98. والوَزَر: الجبل المنيع، وكل معقل، والملجأ، والمعتصم.