اسم الکتاب : أبجد العلوم المؤلف : صديق حسن خان الجزء : 1 صفحة : 91
العلم والتعليم طبيعي في البشر[1].
الإفهام الثاني: في أن العلم والكتابة: من لوازم التمدن:
اعلم أن نوع الإنسان لما كان مدنيا بالطبع وكان محتاجا إلى إعلام ما في ضميره إلى غيره وفهم ما في ضمير الغير اقتضت الحكمة الإلهية إحداث دوال يخف عليه إيرادها ولا يحتاج إلى غير الآلات الطبعية فقاده الإلهام الإلهي إلى استعمال الصوت وتقطيع النفس الضروري بالآلة الذاتية إلى حروف يمتاز بعضها عن بعض باعتبار مخارجها وصفاتها حتى يحصل منها بالتركيب كلمات دالة على المعاني الحاصلة في الضمير فيتيسر لهم فائدة التخاطب والمحاورات والمقاصد التي لا بد منها في معاشهم ثم إن تركيبات تلك الحروف لما أمكنت على وجوه مختلفة وأنحاء متنوعة حصل لهم ألسنة مختلفة ولغات متبائنة وعلوم متنوعة.
ثم إن أرباب الهمم من بني الأمم لما لم يكتفوا بالمحاورة في إشاعة هذه النعم لاختصاصها بالحاضرين سمت همتهم السامية إلى إطلاع الغائبين ومن بعدهم على ما استنبطوا من المعارف والعلوم وأتعبوا أنفسهم في تحصيلها لينتفع بها أهل الأقطار ولتزداد العلوم بتلاحق الأفكار ووضعوا قواعد الكتابة الثابتة نقوشها على وجه كل زمان وبحثوا عن أحولها من الحركات والسكنات والضوابط والنقاط وعن تركيبها وتسطيرها لينتقل منها الناظرون إلى الألفاظ والحروف ومنها إلى المعاني فنشأ من ذلك الوضع جملة العلوم والكتب.
الإفهام الثالث: في أن الخط والكتابة من عداد الصنائع الإنسانية 2:
وهو رسوم وأشكال حرفية تدل على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس فهو ثاني رتبة من الدلالة اللغوية وهو صناعة شريفة إذ الكتابة من خواص الإنسان التي تميز بها عن الحيوان وأيضا فهي تطلع على ما في الضمائر وتتأدى بها الأغراض إلى البلد البعيد فتقضى الحاجات وقد دفعت مؤنة المباشرة لها ويطلع بها على العلوم والمعارف وصحف الأولين وما كتبوه من علومهم وأخبارهم فهي شريفة بهذه الوجوه والمنافع وخروجها في الإنسان من القوة إلى الفعل إنما يكون بالتعليم وعلى قدر الاجتماع والعمران والتناغي في الكمالات والطلب لذلك تكون جودة الخط في المدينة إذ هو من جملة الصنائع وإنها تابعة للعمران ولهذا نجد أكثر البدو أميين لا يكتبون ولا يقرؤون ومن قرأ منهم أو كتب فيكون خطه قاصرا وقراءته غير نافذه ونجد تعليم الخط في الأمصار الخارج عمرانها عن الحد أبلغ وأحسن وأسهل طريقا لاستحكام الصنعة فيها كما يحكى لنا عن مصر لهذا العهد وأن بها معلمين منتصبين لتعليم الخط يلقون على المتعلم قوانين وأحكاما في وضع كل حرف ويزيدون إلى ذلك المباشرة بتعليم وضعه فتعتضد لديه رتبة العلم والحس في التعليم وتأتي ملكته على أتم الوجوه وإنما أتى هذا من كمال [1] آخر كلام ابن خلدون.
2 الفصل في مقدمة ابن خلدون صفحة 1083-1092.
اسم الکتاب : أبجد العلوم المؤلف : صديق حسن خان الجزء : 1 صفحة : 91