responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أبجد العلوم المؤلف : صديق حسن خان    الجزء : 1  صفحة : 167
ونشأت على أساليبها نفوسهم فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة على ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية ممن لم يسمع هذه الطبقة ولا نشأ عليها فكان كلامهم في نظمهم ونثرهم أحسن ديباجة وأصفى رونقا من أولئك وأرصف مبنى وأعدل تثقيفا بما استفادوه من الكلام العالي الطبقة وتأمل ذلك يشهد لك به ذوقك إن كنت من أهل الذوق والتبصر بالبلاغة.
ولقد سألت[1] يوما شيخنا الشريف: أبا القاسم قاضي غرناطة لعهدنا - وكان شيخ هذه الصناعة أخذ بسبتة عن جماعة من مشيختها من تلاميذ الشلوبين واستبحر في علم اللسان وجاء من وراء الغاية فيه - فسألته يوما: ما بال العرب الإسلاميين أعلى طبقة في البلاغة من الجاهليين؟ - ولم يكن يستنكر ذلك بذوقه - فسكت طويلا ثم قال لي: والله ما أدري فقلت: أعرض عليك شيئا ظهر لي في ذلك ولعله السبب فيه وذكرت له هذا الذي كتبت فسكت معجبا ثم قال لي: يا فقيه هذا كلام من حقه أن يكتب بالذهب وكان من بعدها يؤثر محلي ويصيخ في مجالس التعليم إلى قولي ويشهد لي بالنباهة في العلوم والله خلق الإنسان وعلمه البيان[2].

[1] الكلام لابن خلدون.
[2] انتهى كلام ابن خلدون في صفحة 1426.
مطلب: في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر 1:
اعلم: أن الشعر كان ديوانا للعرب فيه: علومهم وأخبارهم وحكمهم وكان رؤساء العرب منافسين فيه وكانوا يقفون بسوق عكاظ لإنشاده وعرض كل واحد منهم ديباجته على فحول الشأن وأهل البصر لتمييز حوله[2] حتى انتهوا إلى المناغاة[3] في تعليق أشعارهم بأركان البيت الحرام موضع حجهم وبيت إبراهيم كما فعل امرؤ القيس بن حجر والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى وعنترة بن شداد وطرفة ابن العبد وعلقمة بن عبدة والأعشى وغيرهم من أصحاب المعلقات السبع فإنه إنما كان يتوصل إلى تعليق الشعر بها من كان له قدرة على ذلك بقومه وعصبيته ومكانه في مضر على ما قيل في سبب تسميتها بالمعلقات ثم انصرف العرب عن ذلك أول الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبوة والوحي وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه فأخرسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض في النظم والنثر زمانا ثم استقر ذلك وأونس الرشد من الملة ولم ينزل الوحي في تحريم الشعر وحظره وسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأثاب عليه فرجعوا حينئذ إلى ديدنهم منه وكان لعمر بن أبي ربيعة - كبير قريش لذلك العهد - مقامات فيه عالية وطبقة مرتفعة وكان كثيرا ما يعرض شعره على ابن عباس فيقف لاستماعه معجبا به ثم جاء من بعد ذلك الملك والدولة العزيزة وتقرب إليهم العرب بأشعارهم يمتدحونهم بها ويجيزهم الخلفاء بأعظم الجوائز على نسبة الجودة في أشعارهم ومكانهم من قومهم ويحرصون على استهداء أشعارهم يطلعون منها على: الآثار والأخبار واللغة وشرف

[1] الفصل في مقدمة ابن خلدون صفحة 1432-1434.
[2] في هامش الأصل: "الحول: الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف" "قاموس".
[3] في هامش الأصل: "المناغاة: المباراة والمعارضة".
اسم الکتاب : أبجد العلوم المؤلف : صديق حسن خان    الجزء : 1  صفحة : 167
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست