اسم الکتاب : أبجد العلوم المؤلف : صديق حسن خان الجزء : 1 صفحة : 141
بالله - سبحانه وتعالى - أحمد بن أبي الحواري فإنه كما ذكره أبو نعيم[1] في الحلية: لما فرغ من التعلم جلس للناس فخطر بقلبه يوما خاطر من قبل الحق فحمل كتبه إلى شط الفرات فجلس يبكي ساعة ثم قال: نعم الدليل كنت لي على ربي ولكن لما ظفرت بالمدلول علمت أن الاشتغال بالدليل محال فغسل كتبه وذكر ابن الملقن[2] في ترجمته من طبقات الأولياء ما نصه: وقد روي نحو هذا عن سفيان الثوري أنه أوصى بدفن كتبه وكان ندم على أشياء كتبها عن الضعفاء[3] وقال ابن عساكر في الكنى من التاريخ[4]: إن أبا عمرو بن العلاء كان أعلم الناس بالقرآن والعربية وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ثم تنسك وأحرقها.
فائدة: ذكرها البقاعي[5] في حاشيته على شرح الألفية للزين العراقي وهي أنه قال: سألت شيخنا - يعني ابن حجر العسقلاني - عما فعل داود الطائي وأمثاله عن إعدام كتبهم ما سببه؟ فقال: لم يكونوا يرون أنه يجوز لأحد روايتها لا بالإجازة ولا بالوجادة بل يرون أنه إذا رواها أحد بالوجادة يضعف فرأوا أن مفسدة إتلافها أخف من مفسدة تضعيف بسببهم. انتهى.
أقول: وجوابه بالنظر إلى فن الحديث لا يقع جوابا عن إعدام ابن أبي الحواري وأمثاله لأن الأول: بسبب ضعف الإسناد والثاني: بسبب الزهد والتبتل إلى الله - سبحانه - ولعل الجواب عن إعدامهم: أنه إن أخرجه عن ملكه بالهبة والبيع ونحوه لا تنحسم مادة العلاقة القلبية بالكلية ولا يأمن من أن يخطر بباله الرجوع إليه ويختلج في صدره النظر والمطالعة في وقت ما وذلك مشغلة بما سوى الله سبحانه وتعالى.
فائدة: في طريق النظر والتصفية:
اعلم: أن السعادة الأبدية لا تتم إلا بالعلم والعمل ولا يعتد بواحد منهما بدون الآخر وأن كلا منهما ثمرة الآخر مثلا: إذا تمهر الرجل في العلم لا مندوحة له عن العمل بموجبه إذ لو قصر فيه لم يكن في علمه كمال وإذا باشر الرجل العمل وجاهد فيه وارتاض حسبما بينوه من الشرائط تنصب على قلبه العلوم النظرية بكمالها فهاتان طريقتان الأولى منهما: طريقة الاستدلال والثانية: طريقة المشاهدة وقد ينتهي كل من الطريقتين إلى الأخرى فيكون صاحبه مجمعا للبحرين فسالك طريق الحق نوعان:
أحدهما: يتبدى من طريق العلم إلى العرفان وهو: يشبه أن يكون طريقة الخليل - عليه الصلاة والسلام - حيث ابتدأ من الاستدلال.
والثاني: يبتدئ من الغيب ثم ينكشف له عالم الشهادة وهو: طريق الحبيب - صلى الله عليه وسلم - حيث ابتدأ بشرح الصدر وكشف له سبحات وجهه - صلى الله عليه وسلم. [1] هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، حافظ، مؤرخ، من الثقات، له كتب كثيرة من أشهرها حلية الأولياء، وطبقات الاصفياء مطبوع في عشرة أجزاء: 366-430هـ = 948-1039م. [2] هو سراج الدين عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بابن الملقن، من أكابر العلماء بالحديث والفقة وتاريخ الرجال، قاهري، له تآليف تناهز ثلاثمائة مصنف: 723-804هـ = 1323-1401م. [3] انظر طبقات الأولياء، تحقيق نور الدين شريبة صفحة 32. [4] هو ثقة الدين علي بن الحسن بن هبة الله عساكر الدمشقي، مؤرخ عالم رحالة، كان محدث الديار الشامية، مولده ووفاته بدمشق، له تضانيف كثيرة أشهرها "تاريخ مدينة دمشق" يقع في حوالي ثمانين مجلدة: 499-571هـ =1105-1176م. [5] هو برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن بن علي بن ابي بكر البقاعي، من البقاع في سورية، استوطن دمشق وتوفي بها، مؤرخ أديب، له في ذلك كتب كثيرة: 809-885هـ = 1406-1480م.
اسم الکتاب : أبجد العلوم المؤلف : صديق حسن خان الجزء : 1 صفحة : 141