اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 92
استمرت جرهم تلي أمر البيت فترة من الزمن، وأبناء إسماعيل مع أخوالهم لا يرون أن ينازعوهم أمر البيت لخئولتهم وقرابتهم[1]، إلى أن قدمت قبيلة يمنية أخرى هاجرت من الجنوب في الهجرة التي تفرقت بها قبائل الأزد مهاجرة نحو الشمال، بعد اضمحلال حالة اليمن وتهدّم سد مآرب[2]، واستقرّ بطن من بطون الأزد حول مكّة وعرف بقبيلة خزاعة، واحتكت خزاعة بجرهم فتقاتلت القبيلتان وانتصرت خزاعة ووليت أمر البيت، وخرجت عن هذا الوادي جرهم، كما خرج أبناء إسماعيل حيث تفرقوا حول مكّة وفي تهامة[3].
وقد بدأت مكة تتطوّر أيام خزاعة، فقد عمل زعيم خزاعة "عمرو بن لحي" على تنشيط الحجّ إلى الكعبة، بعد أن كان أمر مكة قد تدهور، والحجّ إليها قد قلّ؛ بسبب بغي جرهم واعتدائها على القوافل والتجار والحجاج الذين يمرون بمكة أو يفدون إليها للمتاجرة والحج[4]، وبعد إهمال بئر زمزم التي يسرت المقام في هذا الوادي القفر، فأخذ عمرو بن لحي يقيم موائد الطعام في موسم الحج وييسر جلب الماء من الآبار المنبثّة حول مكة، ونال بذلك منزلةً كبيرةً بين قومهه وبين القبائل الضاربة حول مكة[5].
ولما كانت قبائل العرب البعيدة لا تعرف شيئًا عن الحنفية دين إبراهيم؛ فقد عمل عمرو بن لحيّ عن جلب الأصنام من الجهات الأخرى وإقامتها حول الكعبة؛ حتى يرغّب القبائل العربية، وبخاصة قبائل الشمال، في الحج إلى بيت مكة للتقرب لأصنامها، وقد طوّع لعمرو بن لحيّ أن يدخل على البيت هذه العبادة، ذلك المركز الذي أشرنا إليه، ويبدو أن الحنفية كان قد ضعف أمرها حتى بين أبناء إسماعيل [1] ابن هشام 1/ 521. [2] يشير القرآن الكريم إلى حادث السيول الجارفة التي اكتسحت السد في أيام سبأ، كما تشير النقوش إلى تهدم السد عدة مرات، منها في سنة 450 ميلادية "جواد 3/ 156- 157" ومرة سنة 245 "جواد 3/ 197- 199. والنقش المنشور بينهما". ولعل قبائل الأزد هاجرت في حوالي منتصف القرن الخامس أو ربما قبل ذلك. [3] الطبري 1/ 187. [4] ابن هشام 1/ 125. [5] ابن كثير 2/ 187.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 92