اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 43
الجوار كان يتم بالطلب الصريح والإجابة، أو بإتيان عمل يفهم منه قيام هذه الرابطة، فالمؤاكلة ودخول البيت ولمس الخيمة أو مجاروتها يقيم رابطة الجوار، وقد توسعوا في هذا فاعتبروا علوق الدلو بالدلو في بئر يلزم حرمة الجوار والذمة[1]، وإلى هذا أشار أبو تمام يخاطب ابن الزيات2:
لي حرمة بك لولا ما رعيت وما ... أوجبت من حقها ما خلتها تجب
بلى، لقد سلفت في جاهليتهم ... للحق ليس كحقي نصره عجب
أن تعلق الدلو بالدلو القريبة أو ... يلامس الطنب المستحصد الطنبُ
وغالوا في الجوار حتى شمل الوحش والهوام[3]، حتى إنهم كانوا يسمون بذلك مجير الجراد- مجير الغزال- مجير الذئب، ومن الأمثال: أحمى من مجير الجراد، قالوا هو مدلج بن سويد الطائي، وقد يكون هذا نوعًا من العزة وتحريم الصيد في أرض القبيلة. كما كان الجوار أحيانًا يعبر عن نوع من الفروسية والمرءوة الإنسانية، كإجارة كل ظعينة تمر بأرض القبيلة، ومثال ذلك ربيعة بن مكدم الكناني الذي ضربوا به المثل فقالوا: أحمى من مجير الظعن[4].
وحقوق الجار المترتبة على قيام الجوار تتلخص في قول هانئ بن مسعود سيد بني شيبان حين أجار النعمان بن المنذر: قد لزمني ذمامك، وأنا مانعك مما أمنع منه نفسي وأهلي وولدي، ما بقي من عشيرتي الأدنين رجل[5]. وكان المجير يعلن إجارته على ملأ من الناس؛ ليكونوا على بينة من الأمر، وبذلك يصبح المستجير في ذمته وحماه كأنه فرد من ذوي قرابته، يتمتع بكل حماية عائلية أو قبلية، وتجيز القبيلة [1] الأغاني: 2/ 126، 3/ 59.
2 الآلوسي: 1/ 133. [3] العقد الفريد 5/ 224. [4] الآلوسي: 144. [5] الأغاني: 2/ 126.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 43