اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 392
خافت قريظة، وبدأت تتحرش بالمسلمين وتتوسل رجالها لإخافتهم وتهديد حصونهم التي كان فيها نساؤهم وذراريهم حتى تشغلهم عن مواجهة العدو[1]. لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- استطاع أن يبث بذور الشك بين رجال الأحزاب وأن يفرق بينهم، وحتى فسدت نفوسهم واضطروا إلى رفع الحصار عن المدينة.
وما كاد النبي -صلى الله عليه وسلم- يتأكد من رجوع جيوش الأحزاب حتى أمر رجاله بحصار بني قريظة، واندفع المسلمون يحكمون الحصار عليهم ليوقعوا بهم الجزاء الطبيعي، لقومٍ نقضوا عهدهم واتصلوا بالعدو وعرضوا الدولة للزوال.
واعتصم اليهود بحصونهم، فلم يستطيعوا أن يخرجوا منها ولو مرة واحدة للقاء المسلمين، وحاول كعب بن أسد أن يغريهم بقتال المسلمين ولكن نفوسهم كانت قد ضعفت وقلوبهم خلعت، فقد رأوا مصير من كان أقوى منهم من قبائل اليهود، وعرض عليهم أن يسلموا ويبايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنهم رفضوا وصمموا على النزول على حكم محمد ظنًّا منهم أن حلفاءهم من الأوس لن يسلموهم إن أراد بهم محمد شرًّا، وأنهم لن يكونوا أسوأ حظًّا من غيرهم من بني قينقاع أو بني النضير، وفاتهم أن جنايتهم أكبر من أن تغتفر وأنه لا عقوبة على الخيانة العظمى إلا الإعدام، كما فاتهم أنهم لم يقبلوا نصح الأوس حين ذهبوا إليهم يطلبون منهم التمسك بالعهد، وأنهم أهانوا زعيمهم سعد بن معاذ الذي بلغ به الحقد عليهم أن تمنى على الله ألا يميته حتى يشفي صدره من بني قريظة. وحين نزلوا على حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- رضوا بأن يحكم فيهم سعد بن معاذ، وحين كلم الأوس سعدًا في أن يحسن في مواليه، كما فعل عبد الله بن أبي مع بني قينقاع، قال: "لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم"[2].
وأصدر سعد حكمه بأن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء[3]، ونفِّذ حكم سعد فقتل من الرجال كل من بلغ الحلم وسبيت الذراري وقسمت الأموال. وقتل مع القوم حيي بن أخطب الذي وفى لكعب بن أسد بما شرط على نفسه.
إن تبعة دم بني قريظة تقع على رأس حيي وعليهم معه، فقد نقضوا العهد [1] ابن هشام 3/ 246. [2] ابن هشام 3/ 258. [3] نفسه 258، 259.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 392