اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 38
في الصحراء محدودة، ومن المستحيل أن يعيش الفرد فيها إلا مرتبطًا بجماعة، ولا يرى الخليع في هذه الحالة أمامه إلا أحد طريقين: إما أن يلجأ إلى قبيلة أخرى يعيش في حماها جارًا لها أو مولى من مواليها، أو أن يلجأ إلى الصحراء ليتخذ من الغزو والسلب وقطع الطرق وسيلة للحياة وأسباب الرزق، معتمدًا على قوته الشخصية في فرض نفسه وإثبات وجوده في مجتمع قطع كل صلة بينه وبينه[1].
ومن أهم الواجبات التي تقع على أفراد القبيلة: الأخذ بالثأر ممن سولت له نفسه من القبائل الأخرى أن يعتدي على أحد أبنائها، مهما كلف ذلك من جهد ومال ودماء، ولم يكونوا بطبيعة الحال يفرقون بين القتل العمد والقتل الخطأ أو الضرب الذي يفضي إلى الموت، أي أنهم لم يعرفوا القصد الجنائي ولم يتبينوا النية الإجرامية، ولكنهم كانوا يعالجون القتل بالقتل، حتى صار الأخذ بالثأر عقيدة ثابتة، ولقد كانت مسألة الأخذ بالثأر من المسائل الهامة في حياة القبيلة العربية قبل الإسلام، والغرض منها حمياتها، فالقبيلة إذالم تأخذ بثأرها تسقط بين القبائل. ومن هنا نجد أن الحرص على الأخذ بالثأر لا يعدله حرص على شيء آخر، وهذا أمر طبيعي وضروري في مجتمع لا تحكمه حكومة منظمة تقيم الحدود وترعى القانون بسلطانها؛ وإنما كان المجتمع يعتمد في صيانة حقوقه على قوة الأفراد والجماعات، فمن لم يستطيع الانتصاف لنفسه؛ لم يجد قوة تنتصف له؛ ولذلك فإن الاحتفاظ بوحدة القبيلة والأخذ بالثأر كان أمرًا مقدسًا أشبه بأن يكون نظامًا دينيًّا من أن يكون نظامًا عاديًّا. وكان على الثائر أن يدرك ثأره أو يموت دونه، وفي هذه الحالة ينتقل واجب إدراك الثأر إلى ابنه أو حفيده[2]. ولقد كان العرف يجعل الثائر يلتزم باتخاذ شارات خاصة؛ فهو يبتعد عن كل ملذات الحياة؛ فلا يقرب النساء ولا يتطيب أو يتدهن[3]، ولا يشرب الخمر4، [1] انظر ابن الأثير 1/ 359، ابن هشام 1/ 102- 199، الروض الأنف 1/ 120-121، أنساب الأشراف 1/ 100- 101، الآلوسي- 3/ 27- 29. [2] الأغاني: 2/ 99، 3/ 604- 605. العقد الفريد 5/ 175. [3] العقد الفريد 5/ 176، 215، ابن هشام 2/ 422.
4 انظر قصيدة تأبط شرًّا، ديوان الحماسة 1/ 346 وحاشيتها:
حلت الخمر وكانت حرامًا ... وبلأي ما ألمت تحل
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 38