اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 373
الخطاب يقول للنبي -صلى الله عليه وسلم- معترضًا: "يا رسول الله، ألسنا بالمسلمين؟! ألسنا على الحق؟! فلِم نعطي الدنية في ديننا؟! 1".
لم يحفل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشكليات التي تمسك بها رسول قريش، ولم يساير حماسة رجاله، وقدم كثيرًا من التسهيلات حتى تم عقد الصلح بين الطرفين، وكانت أهم شروطه2:
1- أن يرجع محمد والمسلمون عن دخول مكة هذا العام، على أن يعودوا في العام القادم فتخلي لهم قريش مكة ثلاثة أيام يؤدون فيها العمرة.
2- أن تعقد بين الطرفين هدنة مدتها عشر سنوات في قول، وسنتان -في قول آخر وهو ما نرجحه- يأمن كل من الطرفين صاحبه، ويكف بعضهم عن بعض، وأن بينهم عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال[3].
3 - أنه من أراد من القبائل الدخول في حلف محمد دخل، ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل، على أنه يسري على المُتَحَالِفِين ما يسري على المتعاقدين.
4- أنه من جاء محمدًا من أهل مكة بدون إذن وليه ردَّه إليهم ومن جاء إلى قريش من أصحاب محمد لم يردوه.
والشرط الأخير هو الذي أثار اعتراض المسلمين وأغضبهم، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمضى العقد واعتبر الوصول إلى السلم هدفًا يصغر إلى جانبه كل شيء، وعدَّه فتحًا مبينًا، ونزل القرآن الكريم بهذا: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح] .
والحقيقة أن الحديبية كانت فتحًا مبينًا لا يقل في أثره وعظمته عن أكبر معارك الإسلام، وإذا كانت بدر قد ثبتت قواعد الدولة الناشئة؛ فإن الحديبية قد فتحت أمامها المجال لتصل إلى الهدف الذي كان النبي يرمي إليه، وهو توحيد العرب في دولة واحدة، تكون نواة لدولة إسلامية كبرى تشمل الإنسانية وتحقق رسالة العدالة والخير لبني الإنسان على الأرض، وانفتح بصلح الحديبية المجال أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتابع إبلاغ رسالته للناس جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها.
1، 2 نفسه. [3] عيبة مكفوفة: أن يكف بعضهم عن بعض، الإسلال: السرقة الخفية، الإعلال: الخيانة.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 373