اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 362
فإن قريشًا قد تلاومت على ترك الفرصة تفلت من يديها بعد أن أوقعت الهزيمة بالمسلمين فأجمعت على الرجعة، وقالوا: أصبنا حد أصحابه -محمد- وأشرافهم وقادتهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم؟ لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم[1].
وأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوهن نفوس المكيين ويضعف عزيمتهم، فأوحى إلى رجل من خزاعة -وكانت خزاعة مسلمها ومشركها هواها مع النبي صلى الله عليه وسلم، تناصحه وتود نصره- أن يخذِّلها عنه ويلقي إليها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين قد خرجوا لقتالها وقد رجع إليهم من تخلف عن القتال، واستعدوا استعدادًا كبيرًا وفعل الخزاعي ما كلف به، فخارت عزيمة أبي سفيان وأجمع على الرجوع إلى مكة؛ ولكنه كلف نفرًا من العرب كانوا يريدون المدينة أن يخذلوا المسلمين عن مطاردته، ثم رحل عائدًا إلى مكة. وبقي النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام يوقد النيران ليعلم قريشًا أنه ينتظرها، وليشعر القبائل بقوته وعزمه، ثم عاد إلى المدينة[2] وقد استرد كثيرًا من مكانة المسلمين وأعاد إلى نفوسهم كثيرًا من شجاعتها واطمئنانها. [1] نفسه 3/ 54. [2] ابن هشام 3/ 54- 56، إمتاع 1/ 167- 170.
آثار موقعة أحد:
حين عاد المسلمون من حمراء الأسد إلى المدينة، وجدوها قد تنكر كثير من أمرها، وإن بقى سلطان النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها السلطان الأعلى، فلقد رفع كثير من اليهود والمنافقين رءوسهم ضاحكين شامتين بالمسلمين، ثم تجرءوا فأخذوا يدبرون المكائد ويحيكون المؤمرات، حتى لقد تطور الأمر إلى حَبك مؤامرة لقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه، وكان من نتيجتها أن حاصر النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى قبائل اليهود وهم بنو النضير وأخرجهم من المدينة.
كذلك بدأت القبائل العربية تتحرش بالمسلمين وتكيد لهم، وتجرأت فاستدرجت بعض رجالهم وقتلتهم أو باعتهم لقريش. وأخذت بعض القبائل تتجمع للإغارة على المدينة، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان دائم الحذر يحرص دائمًا على أن يعرف من أخبار القبائل ما يمكنه من تدبير أمره، لإقرار هيبة الدولة في نفوس هؤلاء البدو، وكان لا يترك فرصة لهم للتجمع لغزوه ومهاجمته، بل كان يقظًا سريع الحركة، ما يكاد يسمع بتجمع أعدائه حتى يفجأهم قبل أن يستكملوا أمرهم، فيشتت شملهم ويلقي الرعب في قلوبهم،
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 362