responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف    الجزء : 1  صفحة : 339
العشائر من نفسها وازعًا يرد فتن هؤلاء المنافقين ويكبح جماحهم. وقد نجحت سياسة النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه إلى حد كبير، وخير شاهد على ذلك ما أورده ابن إسحاق من استعداد عبد الله بن عبد الله بن أبي لقتل والده لو أمره النبي - صلى الله عليه وسلم- بذلك، وأن قومه كانوا هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه، وحين تذاكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وعمر موقف عبد الله بن أبي وتعنيف قومه له قال: "كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته"[1].
وموقف المنافقين كان شديد الخطورة على كيان الأمة الداخلي؛ لكنه لم يصل إلى الحد الذي وصل إليه موقف اليهود، فقد كان المنافقون حقًّا يخذلون الدولة في المواقف الحرجة، ولا يتعاونون تعاونًا صادقًا عند الخطر. كما حدث من عبد الله بن أُبي حين خذل جيش المدينة ورجع بالمنافقين من غزوة أحد[2] وكما تخاذل المنافقون في غزوة الأحزاب[3]. لكن هذه المواقف لم تكن في خطورة الاتصال بالعدو وتمهيد الطريق له لدخول المدينة والقضاء على أهلها كما فعل اليهود؛ فقد كان المنافقون يعتبرون أنفسهم أهل البلد، وهم إن لم يدافعوا عنها حمية للدين قاتلوا من أجل أحسابهم وأعراضهم، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستشيرهم حين يدهم المدينة داهم، فقد استشار عبد الله بن أبي في غزوة أحد، وقد أشار عبد الله برأي صحيح، إذ إن الموقف كان يمس وطنه[4]، كما قاتل بعض المنافقين قتالًا رائعًا في هذه الغزوة، وخير مثل لهم في هذا الموقف رجل يسمى: قزمان، أبلى بلاءً شديدًا وقتل وأشرف على الموت وجعل بعض المسلمين يبشره بالجنة قال: بماذا أبشر؟ فوالله ما قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت[5]. وقد ظل خطر المنافقين على الدولة كبيرًا ما ظل اليهود في يثرب؛ إذ إنهم كانوا على صلة دائمة بهم، بل إن اليهود هم الذين أَزْكَوا النفاق في يثرب فلما تم تطهير يثرب من اليهود ضعف أمر النفاق، وأصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخشى خطر هذه الطائفة.
هذه هي المتاعب التي واجهت النبي -صلى الله عليه وسلم- في جبهته الداخلية، وقد تغلب عليها بمنتهى اليقظة والحزم، وزاوج في التغلب عليها -بين اللين والشدة حتى استقام له الأمر.

[1] ابن هشام 3/ 337.
[2] نفسه 3/ 8.
[3] نفسه 231، 378.
[4] الواقدي 164، 165.
[5] ابن هشام 3/ 37، 38.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف    الجزء : 1  صفحة : 339
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست