responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف    الجزء : 1  صفحة : 267
الأمرين نجاحًا كبيرًا، فاستقروا، وتجمعت في أيديهم الثروة، وعلا شأنهم حتى أصبحوا أصحاب الكلمة العليا في يثرب.
وحين استقرت أمورهم وتم لهم الغلب بدأ الدافع على التضامن يضعف لديهم. فلم يحافظوا على الروح الجامعة بينهم، بل انحدروا إلى الروح القبلية، وأخذت روح الانفصالية والتنافس تظهر بين جماعاتهم. ويبدو أن أحداثًا وحروبًا وقعت بين طوائفهم، كان من نتيجتها ذلك التفكك الذي بدا واضحًا بينهم حين وقع النزاع بينهم وبين الأوس والخزرج بعد ذلك، فإنهم لم يستطيعوا أن يجمعوا كلمتهم ويقفوا صفًّا واحدًا في وجه خصومهم، كما أنهم لم يحتفظوا بكيانهم فيما تلا ذلك من أحداث؛ فتفرقت بطونهم ودخل بعضها في محالفات مع الأوس ودخل بعضها في محالفات مع الخزرج، واشترك كل فريق في القتال إلى جانب حلفائه ضد الفريق الآخر[1]، وكانوا في القتال أقسى على بني جنسهم من العرب، فقد قسا بنو النضير وقريظة على بني قينقاع وأثخنوا فيهم ومزقوا شملهم في حرب بعاث بين الأوس والخزرج، مما جعل أحد شعراء اليهود من بني النضير يتألم لهذه الحالة[2].
ولا نستطيع أن نفهم سببًا لهذه القسوة إلا أن عداء كان قد استحكم بين بني قينقاع وبين بني النضير وقريظة، كما أنه لا بد من أن أحداثًا وقعت بينهم، جعلت بني قينقاع يتركون أرضهم وزرعهم ويقتصرون على الصناعة؛ فإنهم حين أجلاهم النبي - صلى الله عليه وسلم- عن المدينة لم يكن لهم بها أرض ولا مزارع[3]، وليس من المحتمل أن يكون بطن كبير مثلهم قد رغب عن الأعمال الزراعية كلية. ومما يؤيد ما كان يقع بين اليهود من قتال وسفك دماء، وإخراج بعضهم بعضًا من ديارهم جريًّا وراء المصالح والمنافع الخاصة، ما ذكرته آيات القرآن الكريم في وصفهم والتنديد بأعمالهم هذه مع مخالفتها لشريعتهم {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ، ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ

[1] الأغاني 3/ 24.
[2] الأغاني 19/ 95 "طبعة مصر" ولفنسون 69.
[3] الواقدي 140.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف    الجزء : 1  صفحة : 267
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست