اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 255
ثم حدث حوالي القرن الأول ق م أن هاجمت الدولة الرومانية بلاد فلسطين وقوضت أركان الدولة اليهودية المستقلة فيها، وقد استتبع ذلك ثورات متتالية من اليهود أخضعها الرومان بشدة وقسوة، فاضطرت أعداد من اليهود إلى الهجرة إلى جزيرة العربية التي كانت بعيدة عن متناول يد الرومان؛ نظرًا لطبيعتها الصحراوية التي تعوق سير القوات المنظمة وتمنع توغلها؛ فضلًا عن أن هذه البلاد كانت تسودها الأنظمة البدوية الحرة.
وبعد حروب اليهود والرومان70 ميلاديًّا التي انتهت بتدمير بيت المقدس وتشتت اليهود في أصقاع العالم قصدت جموع يهودية كبيرة بلاد العرب للمزايا السابقة. وتؤيد المصادر العربية كل هذا فتذكر أنه لما ظهرت الروم على بني إسرائيل جميعًا بالشام فوطئوهم ونكحوا نساءهم، خرج بنو النضير وبنو قريظة وبنو هدل -بهدل- هاربين إلى ما بالحجاز من بني إسرائيل لما غلبتهم الروم على الشام، فلما فصلوا عنهم بأهليهم اتبعوا الروم فأعجزوهم وهلك جند الروم في المفاوز والصحاري الخالية من الماء[1]، وهذه الرويات مأخذوة عن يهود المدينة أنفسهم كما حكى ياقوت[2]. ثم أخذت جموع اليهود في الجزيرة العربية تزداد وتكثر بعد اضطهاد الرومان لهم، ثم قصد بنو النضير وقريظة منطقة يثرب، وارتادوا حتى تخيروا أخصب بقاعها فسكنوها.
أفكانت يثرب وخيبر ووادي القرى خالية من السكان حين نزلها اليهود بحيث استعمروها بسهولة دون أن يجدوا من ينازعهم، أم أنها كانت مأهولة ببطون عربية نازعت اليهود ثم غلبت على أمرها؟ لاتعطينا المصادر شيئًا نعتمد عليه في هذا الموضوع. ويقول مؤرخ اليهود ولفنسون: إن هذه المناطق كانت غير آهلة بكثير من العرب، وإن جموع الأعراب كانت تنتجعها ثم ترحل عنها[3]. ولكننا لا نستطيع الموافقة على هذا القول. فهذه المناطق بطبيعتها أماكن استقرار دائم عامرة بالقرى، وكانت بها محطات تجارية منذ أيام المعينيين، ثم إنها مناطق خصبة كثيرة الوديان التي [1] الأغاني 19/ 95 طبعة مصر، السمهودي 2/ 112، الطبري 1/ 384. [2] ياقوت 17/ 84. [3] ولفنسون 12.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 255