اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 229
متابعته، وكان لهذا أثره الشديد في منع القبائل من قبوله؛ إذ إنها ظنت أن لو كان فيه خير لتابعه أهله، ونال محمد -صلى الله عليهوسلم- أذى في نفسه وفي أصحابه، وقد تحرج مركزه في مكة حتى إنه حين رفضت قبيلة ثقيف بالطائف -وقد ذهب إليها يعرض عليهم دعوته والانتقال إليهم- لم يستطع حين عاد أن يدخل مكة إلا بجوار المطعم بن عدي زعيم بني نوفل من قريش؛ لأن القبيلة أصبحت تنظر إليه نظرتها إلى رجل ثار عليها وخلع نفسه منها[1].
ثم عرض النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوته على رجال من أهل يثرب -من الأوس- قدموا مكة يلتمسون حلف قريش على قومهم من الخزرج؛ فلم يظفروا بالحلف، وكذلك لم يسلموا[2]، ولكنهم حين عادوا إلى بلدهم ذكروا أمر هذا الداعي الجديد، وكان لذكرهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقع ما لبث أن ظهر أثره في العام التالي؛ فإنه قدم الموسم نفر من الخزرج عددهم ستة رجال، لقيهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فعرض عليهم الإسلام فما أبطئوا أن أسلموا، وكان لإسلامهم السريع دوافعه، فلقد كان عرب يثرب يساكنون اليهود، واليهود أهل الكتاب وكان العرب وثنيون فكان اليهود يعيرون العرب وثنيتهم، كما كان العرب ينازعون اليهود الغلب في يثرب ويصارعونهم، وقد عز العرب آخر الأمر، فكان اليهود يهدودنهم بقرب ظهور نبي قد أظل زمانه يتبعونه فيقتلونهم معه قتل عاد وإرم[3]. كما أن الخزرج كانوا حديثي عهد بهزيمة حلت بهم أمام الأوس وحلفائهم من قبائل اليهود في يوم بعاث؛ فلما ذكر رجال الأوس ظهور النبي ومحادثته لهم في مكة، خشي الخزرج أن يسبقهم اليهود أو يسبقهم الأوس إليه فيتحقق تهديد اليهود، فلما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء النفر من الخزرج حين لقيهم في مكة قال بعضهم لبضع: يا قوم، تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه[4].
ولقد أوقف هؤلاء الخزرجيون النبي -صلى الله عليه وسلم- على الحالة في بلدهم ووعدوه بالدعوة للإسلام في يثرب، كما بشروه بالفوز لو قدر له أن تجتمع قبائل يثرب عليه، فقالوا له: إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله [1] نفسه 2/ 72. [2] ابن هشام 1/ 416، 2/ 28- 31. [3] نفسه 3/ 77. [4] نفسه 2/ 38.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 229