اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 221
ورجالًا ألوانًا قاسية من العذاب، حتى دفعت الشفقة أبا بكر بن أبي قحافة الذي لقب بالصديق -وهو أول من آمن بالنبي صلى
الله عليه وسلم من رجال قريش وكان تاجرًا موسرًا- إلى أن يشتري بلالًَا وغيره ويعتقهم[1]. والحقيقة أن صبر المؤمنين وتمسكهم بدينهم واستهانتهم بالتعذيب والموت في سبيله ليعد من أروع مواقف البطولة والتضحية في سبيل المبدأ والعقيدة. والنبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه -برغم وقوف أهله إلى جانبه وتصديهم لحمايته- لم يسلم من الأذى حتى تعرضت حياته نفسها للموت.
ولقد تحدث العالم الأوربي الدكتور ماركس دودز عن شجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنه لخليق في هذه الفضيلة أن يسامي أوفر الأنبياء شجاعة وبطولة بين بني إسرائيل؛ لأنه جازف بحياته في سبيل الحق، وصبر على الإيذاء يومًا بعد يوم عدة سنين، وقابل النفي والحرمان والضغينة وفقد مودة الأصحاب بغير مبالاة، فصابر على الحملة قصارى ما يصير عليه إنسان دون الموت الذي نجا منه بالهجرة، ودأب مع هذا علي بث رسالته غير قادر على إسكاته وعد ولا وعيد ولا إغراء[2]، كما تحدث غيره من مؤرخي العرب مشيدين بشجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتضحياته وهو من آمن به من المسلمين الأولين[3]. [1] ابن هشام [1]/ 340- 341. [2] عباس العقاد: عبقرية محمد ص262- 263. [3] بودلي الرسول "حياة محمد" ص81 وما بعدها.
أساليب قريش لمقاومة الدعوة
ولقد اتخذت قريش أساليب مختلفة في مقاومة الدعوة الجديدة:
بدأت المقاومة سلبية في أول أمرها، فقد أظهر رجال الملأ عدم الاكتراث بالدعوة الجديدة، ونظروا إليها نظرة استخفاف، فلم تعنهم كثيرًا، وظنوا صاحبها من أمثال ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل، من الساخطين على الأصنام، الباحثين عن الحنيفية أو غيرها من الديانات الأخرى، وإن كان يختلف عنهم في أنه يخبر أنه يتلقى الوحي من السماء، وكان يحلوا لهم أن يشيروا إليه كما رأوه: هذا ابن عبد المطلب يكلم من السماء[1]. [1] ابن سعد1/ 184.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 221