اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 215
وقد كتب القرآن في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- حال نزوله- وكان للنبي -صلى الله عليه وسلم- كتبة مختصون بتسجيل الوحي[1]- ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستعرض القرآن الذي أنزل عليه كل عام مرة[2]. وقد نزل القرآن آيات بحسب الحوادث، وكان الوحي يشير إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بوضع كل آية في مكانها من السور، فحتى ترتيب الآيات والسور لم يكن للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيه، وإنما هو مكلف بذلك.
وعلى هذا الأساس حفظ القرآن الكريم، وعلى هذا الأساس جمع في مصحف واحد هو المتداول في أيدي المسلمين حتى الآن لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف، ولم يدخل أي نوع من التغيير في ترتيب آياته وسوره[3]، واستقرت قدسيته على ذلك منذ تلاه محمد -صلى الله عليه وسلم- عن ربه حتى الآن وإلى أن تقوم الساعة.
وعلى هذا الأساس نقرر أن مفهوم الكتاب المنزل مفهوم جديد على العالم، وهو بصورة أوضح على العرب؛ فنحن نعرف أن وثنية العرب لم يكن لها كتاب، وهم لم يتقبلوا فكرة الوحي والكتاب المنزل في سهولة، فقال: {أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الأنبياء] وقالوا: {افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُون} [الفرقان] وقالوا: وقد رد القرآن على ذلك: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل] {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء] وتحدى الناس جميعًا بأن يأتوا بمثله أو بمثل بعضه، ثم دمغهم بالعجز حين أنزل قوله تعالى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء] وهذه الآيات ترينا أن مفهوم الكتاب المنزل كان مفهومًا جديدًا يختلف على صورته التي نعرفها عند الأمم الأخرى، فلم يشهد الناس من قبل تقيدا باللفظ والمعنى كما هو الحال في القرآن، ومن هنا نجد الإنكار والمعارضة، ونجد حتى اليوم من غير المسلمين من يقول بان هذا الكلام من عند محمد، على الأقل بلفظه لأن مفهوم نزول الكتاب بلفظه ومعناه مفهوم جديد لم تعرفه الأمم من قبل الإسلام. [1] أنساب الأشراف1/ 531، البخاري 6/ 183- 184، الدلالات السمعية (مخطوط دار الكتاب) 134- 135. [2] ابن سعد 4/ 8- 9، 158. [3] البخاري 6/ 183- 184.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 215