اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 202
فأما من الناحية الدينية، فإن العرب كانوا وثنيين، فلما اتصلوا بالأمم ذات الأديان الراقية اكتشفوا ما في الوثنية من عجز عن إشباع الغريزة الدينية في الإنسان. والأديان السماوية قد دخلت جزيرة العرب منذ وقت مبكر، فكانت النصرانية منتشرة في شمال شبه الجزيرة وشمالها الشرقي[1]، وكذلك كانت منتشرة في اليمن، وكان لها مركز هام في نجران[2] وقد اتسع نطاقها بعد الفتح الحبشي[3]. وكانت اليهودية معروفة في القسم الشمالي من الجزيرة؛ فيثرب وخيبر وفدك وتيماء ووادي القرى كانت يهودية، وكانت معروفة كذلك في اليمن، وكانت تصارع المسيحية هناك حتى الفتح الحبشي، وعند ظهور الإسلام كانت توجد في اليمن جالية يهودية كبيرة. وكان من المتوقع لو لم يظهر الإسلام أن يدخل العرب في أحد الدينين، لولا أنهم بدءوا نهضة قومية وكانوا ينظرون في الوثنية نظرة خاصة ويعتبرونها رمزًا لقوميتهم -وقد كان من عادة الأمم في تلك العصور أن تعتبر ملتها أو نحلتها موضع كبريائها ورمزًا لشخصيتها وعنوانًا على ثقافتها- وهم لذلك يريدون ديانة تعبر عن روح العروبة وتكون عنوانًا لها، ومن أجل ذلك بحث عقلاؤهم عن الحنيفية دين إبراهيم الذي كانوا يعدونه أبًا لهم[4]. هذا إلى ما لحق الديانات الأخرى من تفرق واختلاف بين طوائفها، ولا بد أن العرب كانوا على صلة بأهل هذه الديانات وعلى معرفة بالخلاف بين طوائفها؛ الأمر الذي جعلهم يتندرون بأصحابها وينعون عليهم اختلافهم، ويتطلعون إلى ظهور نبي منهم، ويقسمون أنهم لو جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم[5].
وقد ظهرت حركة التحنف قبل الإسلام مباشرة[6], فكانت رمزًا إلى أن الروح العربي كان يتلمس يومئذٍ دينًا آخر غير الوثنية، والإسلام حين جاء كان معبرًا عن شعور [1] جواد علي:6/ 57-60. [2] انظر سورة البروج 4- 8, ابن هشام 1/ 35. [3] نفسه 1/ 43. [4] ابن هشام 1/ 242-250، أسد الغابة 2/ 236، المحبر 160، 170, الروض الأنف 1/ 146. [5] انظر سورة فاطر 42. [6] ابن هشام 1/ 242.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 202