اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 190
2- طبقة الموالي:
كانت مكة لحرمتها ووحدة أهلها واستقرار أمورها ملجأ لكثيرين من العائدين المحتمين بحرمها، كما كان في حياتها التجارية مجال لطلاب الكسب، ممن وجدوا في أسواقها وقوافلها فرصة لاستثمار أموالهم في قوافل قريش والاتصال ببيوتها التجارية أو العمل في دوائر أعمالها[1]؛ ولذلك كثر الموالي في قريش عن طريق الجوار، أو من
1 "مثال ذلك، صهيب بن سنان المعروف بصهيب الرومي، الذي قدم مكة وحالف عبد الله بن جدعان أحد أثريائها الكبار، وعمل معه ونال من وراء ذلك ثروة اضطرته قريش إلى التخلي عنها حين أسلم وهاجر". أسد الغابة 2/ 31.
كانت صاحبة الكلمة العليا في مكة وكانت رأس المجتمع المكي. وإنه إن كان أبناء قريش على درجة واحدة من حيث الحقوق والواجبات القبلية العامة؛ إلا أن الاستقرار والثراء الذي أحرزته قريش البطاح، والقيام على شئون الحكم في مكة قد ميزها على غيرها من باقي البطون القرشية, فنالت منزلة اجتماعية أرفع.
وقد حظيت قريش بنوع من الاستقرار والأمن لم يتوفر لغيرها من القبائل الأخرى، فقد ضمن لها وجودها بجوار البيت الحرام حرمة عامة في نظر القبائل العربية؛ فسلمت من الغارات القبلية عليها، كما أنه لم تحدث بين بطون قريش اشتباكات تؤدي إلى وقوع الدماء بينها بل حرصت القبيلة دائمًا على حل منازعتها العشائرية سلميًّا، ولكي تقضي على المنافسات العشائرية توسعت في قاعدة الحكم، وارتضت نوعًا من الحكومة نستطيع أن نسميه حكومة النظراء، وهي حكومة الملأ المكون من زعماء العشائر، وعلى ذلك سلمت قريش من التفكك الداخلي؛ فلم يحدث أن خرج عليها أو من دائرتها بطن أو عشيرة من عشائرها إلى دائرة قبيلة أخرى، كما كان يحدث كثيرًا بين القبائل العربية؛ ولذلك أحس أهل مكة بمرارة شديدة حين خرج منها بعض أفرادها فهاجروا إلى أماكن أخرى بعد ظهور الإسلام، وحاولت القبيلة جاهدة منعهم أو ردهم، واتهم القرشيون النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه فرق بين الناس. وكانت وحدة القبيلة القرشية مظهرًا رائعًا في نظر القبائل العربية التي جعلت من قريش موضع إجلالها وقدوتها[1]. وأصبح كثير من رجالها في مكان الحكام بين المتنازعين من قبائل العرب. [1] الأغاني 2/ 313 العقد الفريد 3/ 320.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 190