اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 149
الحج للحج ارتباط كبير بالحياة الاجتماعية والاقتصادية عند العرب، فقد كان لكثير من تقاليده علاقة قوية بكيان العرب الاجتماعي، وكان له من أجل ذلك أثر كبير في حياتهم الاجتماعية، فقد كان شاملًا للعرب جميعًا على اختلاف عقائدهم وعباداتهم وبيئاتهم، وكانوا يتخذونه وسيلة من وسائلهم الاجتماعية، حيث يفدون إلى منطقة مكة -البيت الحرام- من كل صوب، فيلتقون في موسم الحج وأسواقه في ظل الأشهر الحرم، ويجتمعون فيتعارفون ويتبادلون المنافع من بيع وشراء ومبادلة. ويعقدون المجالس للمفاخرات، والمشاورات وحل المشاكل، وكان كل صاحب فكرة وكل صاحب دعوة يريد أن يعلن عنها يجد له في أسواق الحج مجالًا صالحًا، وحتى المبشرون من المسيحييين وغيرهم كانوا يأتون إلى هذه الأسواق يدعون لديانتهم. حتى لنستطيع أن نقول: إن هذه الأسواق كانت منبرًا عامًّا تلتقي فيه الأفكار من كل لون، وبذلك أصبحت هذه الأسواق مجالًا للنشاط العربي بكل مظاهره، فأتاحت للعرب وبخاصة قبيل البعثة فرصة لحركة أو نهضة قومية وسياسية واجتماعية وفكرية. والحج إلى الكعبة فرض إلهي قديم معترف به وممارس منذ زمن بعيد، يتداول العرب خبر اتصاله بإبراهيم وإسماعيل اللذين قاما ببناء البيت الحرام كما يتداولون خبر حرمته منذ بنائه[1]. وأن الله جعله مثابة للناس جميعًا وأمنًا. وفي القرآن آيات كثيرة تشير إلى الحج ومناسكه وتقاليده ومنافعه، والكعبة البيت الحرام وحرمتها وأمن منطقتها: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران] وتتضمن هذه الآيات قرينة قوية على أن الحج إلى البيت على المستطيع، هو استمرار لفرض إلهي قديم على الناس معترف به وممارس من بعضهم، فهو أول بيت وضع للناس فيه الهدى والبركة، وأنه من بناء إبراهيم بما فيه من علامات هي مقام إبراهيم، وأن من دخله كان آمنًا، ويلفت النظر كلمة الناس فإنها دلالة قوية على أن الحج كان عامًّا غير مخصص بطائفة معينة، وهذا يدل على أن الحج كان مفروضًا قبل الإسلام: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنِ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي [1] البقرة 125- 129 البخاري 3/ 14- 15.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 149