اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 129
جزيرة العرب يحفلون كثيرًا بتعاليم التوراة التي تأمرهم بالبعد عن الوثنيين وتلزمهم عداءهم ومحاربتهم، وإنما كان يجرون وراء مصالحهم المادية. وجريًا وراء هذه المصالح تورطوا في الإثم حينما سألهم المكيون أدينهم خير، أم ما يدعو إليه محمد؟ فناصروا الوثنية على التوحيد الذي جاء به الإسلام، والذي حملوا هم لواءه آلاف السنين ولقوا في سبيله كثيرًا من الاضطهاد والعذاب[1]. ولقد نعى عليهم القرآن هذا التورط في الضلال ولعنهم فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء] .
كذلك مالأ اليهود في يثرب القرشيين منذ بدأ الصراع بينهم وبين المسلمين. بالرغم من العهد الذي عقده النبي -صلى الله عليه وسلم- معهم، وانبرى شعراؤهم يمدحون المكيين ويرثون قتلاهم ويؤلبون قريشًا والعرب لحرب المسلمين، وانتهى الأمر بأن عقدوا حلفًا مع القرشيين وجمعوا إليه قبائل العرب لحرب المسلمين في غزوة الخندق.
بهذه الصلات الحسنة أمنت مكة عادية القبائل العربية، كما أمنت خصومات المدن الحجازية، ولما كانت قد استطاعت المحافظة على وحدة القبيلة الداخلية، وتوطيد السلام في مكة فقد نالت تفوقًا كبيرًا وحظيت باحترام عام من كافة أنحاء الجزيرة العربية، وأصبحت تنافس صنعاء في زعامة الجزيرة العربية، بل إنها تفوقت عليها في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، وأصبحت العاصمة العربية التي تتجه إليها نفوس العرب وعواطفهم القومية، وبخاصة بعد أن فقدت اليمن استقلالها، وكذلك تضعضعت مملكة الحيرة ومملكة غسان. [1] إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود في جزيرة العرب 142- 143. التوراة: تثنية، إصحاح 7 آية 3- 6.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 129