اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 104
وخصوصًا في موسم الحج، حيث يكثر الوافدون إلى مكة لأداء هذه الفريضة، وقد أصبحت مهمة السقاية بالغة الخطورة خصوصًا بعد أن طمرت بئر زمزم التي يسرت المقام في هذا الوادي القفر. نتيجة لإهمال جرهم لها، أو لأن زعيم جرهم قد طمرها، بعد أن هزم أمام قبيلة خزاعة واضطر للخروج عن مكة[1]. حتى يضايق خزاعة ويجعل مهمة الحج عسيرة. ومن المؤكد أن الزعماء الخزاعيين اهتموا بتوفير المياه لإرواء الحجاج في موسم الحج، وإن لم يفكروا في إعادة حفر زمزم التي تنوسي أمرها مع الزمن، وجهل الناس موضعها، وإن لم نسمع أنهم جعلوا من هذا الاهتمام وظيفة خاصة. وقد اهتم قصي بهذا الأمر حين ولي مكة اهتمامًا كبيرًا، نتيجة لاهتمامه بتنشيط الحج الذي يبدو أنه فتر في العهد الأخير من حكم خزاعة، وقام بحفر الآبار في وادي مكة، كما حفرت عشائر قريش آبارًا كثيرة بعد قصي[2]: وإن لم يفكر أحد في إعادة حفر بئر زمزم. حتى كانت أيام عبد المطلب بن هاشم الذي آلت إليه هذه الوظيفة الهامة. وأصبح يجد مشقة كبيرة في توفير المياه للعدد المتزايد من الحجاج نتيجة للاتجاه العام نحو مكة المستقلة، بعدما أصابت الدويلات العربية في الجنوب والشمال من تدهور سياسي وأدبي، وقد ألهمت الحاجة عبد المطلب التفكير في حفر بئر زمزم، بئر إسماعيل، التي لا بد كانت الأخبار لا تزال تروي عنها، والبحث عن مكانها حتى اهتدى إليها وأعاد حفرها[3]، ومن ثم أصبحت عملية إمداد الحجاج بالماء أقل مشقة. وقد عد المكيون وظيفة السدانة من أعظم الوظائف في مكة، وكانت قريش تفاخر بهما[4]، وقد تولت هاتين الوظفتين أعظم العشائر القرشية، وحين فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة ألغى كل المناصب بها ولم يبق إلا على هاتين الوظفيتين تقديرًا لأهميتهما[5].
والرفادة هي إطعام الحاج في أيام الحج، وقد فرض قصي على قريش خرجًا تخرجه من أموالها وتدفعه إليه؛ فيصنع به طعامًا يقدمه للحجاج في أيام عرفات ومنى، [1] ابن هشام 126. [2] نفسه 1/ 159- 163 "ذكر ابن هشام أسماء أكثر من عشرة آبار حفرتها بطون قريش بمكة". [3] ابن هشام 1/ 154 وما بعدها. [4] انظر سورة التوبة 19. [5] ابن هشام 4/ 32. الطبري 2/ 327.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 104