أما الحديث عمن تولى هدم هذا الصنم "مناة" فقد اختلف في ذلك على النحو التالي:
أ- فعند ابن الكلبي أن الذي تولى هدمها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وكان ذلك سنة ثمان للهجرة، عندما خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة قاصدا فتح مكة، فلما سار من المدينة أربع ليال أو خمس ليال بعث عليا إليها فهدمها وأخذ ما كان لها، فأقبل به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان فيما أخذ سيفان كان الحارث[1] بن أبي شمر الغساني ملك غسان أهداهما لها، أحدهما يسمى (مِخْذَماً) والآخر (رسوبا) [2] فوهبهما النبي - صلى الله عليه وسلم - لعيّ - رضي الله عنه -، فيقال: إن ذا الفقار[3] سيف عليّ - رضي الله عنه - أحدهما[4].
ونسب هذا الفعل إلى علي بن أبي طالب ابن هشام وابن كثير بصيغة التمريض[5].
ب- وعند الواقدي وابن سعد أن الذي تولى هدمها هو سعد[6] بن زيد الأشهلي. وهذا نص كلام ابن سعد قال: "ثم سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى "مناة" [1] هو الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق، وعند ابن هشام: ملك تخوم الشام، وكان تابعا لقيصر ملك الروم بعث إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب مع شجاع بن وهب الأسدي يدعوه فيه إلى الإسلام، فامتنع من الدخول فيه وأسلم حاجبه، ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح. (ابن هشام: السيرة النبوية 2/207، وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/261، 3/94، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/644) . [2] ويقال: أن عليا وجد هذين السيفين في الفِلس - بكسر الفاء - وهو صنم طيئ. حيث بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهدمه. (ابن الكلبي: كتاب الأصنام ص15، الفيروز آبادي: القاموس 2/238) . [3] كون ذي الفقار أصابه عليّ - رضي الله عنه - عندما هدم "مناة" أو هدم "الفلس" يرد هذا حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد فقال: رأيت في سيفي ذي الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم. الحديث: لفظ أحمد. (أحمد: المسند 1/271، والترمذي: السنن 3/61 كتاب السير (باب في النفل) ، وابن ماجه: السنن 2/939 كتاب الجهاد (باب السلاح) ، والحاكم: المستدرك 2/128- 129، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي، ومن طريق الحاكم أورده البيهقي كما هو عند ابن كثير: البداية والنهاية 4/11. وبهذا الحديث يتضح أن ذا الفقار كان موجودا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هدم "مناة" بأعوام. [4] ابن الكلبي: (كتاب الأصنام ص15، ابن حجر: فتح الباري 8/612) . [5] ابن هشام: (السيرة النبوية 1/86، ابن كثير: التفسير 4/254، والبداية والنهاية 2/192) . [6] سعد بن زيد بن مالك بن عبد بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي، هو الذي بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبايا من بني قريضة فاشترى بها من نجد خيلا وسلاحا. (ابن حجر: الإصابة 2/28) .