وأيده ابن العربي في عارضة الأحوذي حيث قال: الصحيح من هذا عن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية؛ لأن سعيدا لم يسمع من صفوان شيئا وإنما يقول الراوي فلان عن فلان إذا سمع شيئا ولو حديثاً واحداً، فيحمل سائر الأحاديث التي سمعها من واسطة عنه على العنعنة، فأما إذا لم يسمع منه شيئا فلا سبيل إلى أن يحدث عنه لا بعنعنة ولا بغيرها[1]. اهـ.
إن هذا العطاء الجزيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم وغيرهم ليدل على علو نفسه وغزارة جوده وعظيم سخائه، ومعرفته الكاملة بالدواء الذي يحسم الداء من أصله.
إن الحكمة والسياسة العادلة في هذا العطاء لأقوام دون آخرين هي إنقاذ أناس من النار بحطام زائل من الدنيا، ووكل آخرين إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، والإيمان واليقين، ويدل على هذا حديث عمرو ابن تغلب عند البخاري وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري:
186- حدثنا محمد[2] بن معمر قال حدثنا أبو عاصم[3] عن جرير بن حازم، قال سمعت الحسن[4] يقول حدثنا عمرو[5] بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي[6] بمال أو سبي[7] فقسمه، فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا[8]، فحمد[9] الله ثم أثنى عليه ثم قال: "أما بعد: فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع [1] انظر: المباركفوري: تحفة الأحوذي 3/335 والألباني: تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 427-428. [2] هو ابن ربعي القيسي البصري البحراني - بالموحدة والمهملة. [3] أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد الشيباني. [4] الحسن: هو البصري. [5] عمرو بن تغلب - بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام ثم الموحدة - النمري - بفتح النون والميم - صحابي تأخر إلى الأربعين / خ س ق (التقريب 2/66 وتهذيب التهذيب 8/8-9) . [6] وفي لفظ عند البخاري والفسوي "قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم مال، فأعطى قوماً ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه" وعند أحمد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه شيء فأعطاه ناسا وترك ناسا فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا وقالوا". [7] قال ابن حجر: "في رواية الكشميهني "بشيء" وهو أشمل" (فتح الباري 6/254) وفي رواية أحمد "أتاه شيء". [8] عتب عليه يعتب ويعتب عتبا ومعتباً، والاسم المعتبة بفتح التاء وكسرها من الموجدة والغضب (النهاية 3/175) . [9] وعند أحمد "فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: " إني أعطي ناسا وأدع ناساً وأعطي رجالا وأدع رجالاً"، وعنده أيضاً، "إني أعطي أقواماً وأرد آخرين".