الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث المسلمين يومئذ على الرمي فقال: "من رمى بسهم في سبيل الله فله درجة في الجنة"، فكان في ذلك حافز قوي للمسلمين على التسابق في الرمي للفوز بدرجات عظيمة في الجنة حتى قال أحدهم: بلغت يومئذ ستة عشر سهما، وكانت تلك السهام الكثيرة، تنهال على ثقيف كالوابل الغزير فزلزل ذلك كفار ثقيف زلزالا شديدا وحصرهم في حصنهم وشل قدرتهم الدفاعية، حتى تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الأمر، لا لعجز عن مناجزتهم، ولكن رأى أن ثقيفا مآلها الإسلام أو الاستسلام فقد أحيطت بالمسلمين من كل مكان فلماذا يتعرض جيش المسلمين لخسائر كبيرة في حصار مدينة حصينة مآلها إلى السقوط دون أية ضحايا، طال الوقت أم قصر؟
وهل بوسع الطائف أن تقاوم طويلا وحدها بعد أن دخلت مكة في الإسلام ودانت المناطق من حولها للمسلمين؟
وكيف تصرف إنتاجها الزراعي وكيف تقوم بتجاراتها وكل مواصلاتها مقطوعة؟ وقبل ذلك كله فقد جاء في بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم يأذن لي في فتح الطائف الآن، وأنه صلى الله عليه وسلم لما قال له أحد الصحابة: "ادع الله على ثقيف، فقال: الله اهد ثقيفا وائت بهم، فقد علم صلى الله عليه وسلم أن ثقيفا ستفيق من غفلتها وتستيقظ من سباتها وستأتي بنفسها تعلن ولاءها لرسول الله صلى الله عليه وسلم والانضمام تحت رايته وهذا الذي حصل بالفعل كما سياتي ذلك في مبحث إيفاد ثقيف.
الثالث: ذلك النداء الموجه إلى العبيد الذين يعيشون تحت سيطرة سادات ثقيف "أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر"[1] فما أن بلغهم هذا النداء الإسلامي حتى تسابقوا إلى المسلمين واحدا بعد آخر طلبا للحرية ورغبة في الخلاص من ظلم جبابرة الجاهلية فكانت مكافأتهم على هذه التضحية من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتقهم وخلصهم من رق الجاهلية وأغلالها، وأسلموا وحسن إسلامهم وحسن إسلامهم وكان في ذلك إضعاف لشوكة ثقيف وخلخلة لصفوفهم من داخلها، وكان عدد العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف ولحقوا بالمسلمين ثلاثة وعشرين عبدا[2]. [1] انظر حديث (151) والطبقات الكبرى لابن سعد 2/158-159. [2] انظر حديث رقم (144) .