يتلفت[1] إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته وسلم فقال: "أبشروا فقد جاءكم فارسكم"[2]، فجعلنا ننظر إلى خلال[3] الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب، حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبحت[4] اطلعت الشعبين كليهما فلم أر أحدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل نزلت[5] الليلة؟ قال: لا، إلا مصليا أو قاضيا حاجة[6]، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أوجبت[7] فلا عليك أن لا تعمل بعدها "[8]. [1] وعند أبي داود في كتاب الصلاة، والبيهقي من طريقه: "فحعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، وقد كان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس".
وعند ابن أبي عاصم: "فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلى يلتفت إلى الشعب".
وعند الطبراني: "فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة يلتفت إلى الشعب".
والحديث فيه جواز الالتفات في الصلاة ما لم يلو عنقه خلف ظهره. ويدل لذلك أيضا ما أخرجه الحاكم في المستدرك 1/236- 237 عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتفت في صلاته يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره". ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
ثم قال: قد اتفقا على إخراج حديث أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله - صلى اله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد".
ثم قال: وهذا الالتفات غير ذاك، فإن الالتفات المباح أن يلحظ بعينه يمينا وشمالا، ثم أورد حديث الباب شاهدا لحديث ابن عباس.
وأورد الحازمي: حديث ابن عباس ثم قال: تفرد به الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند متصلا، وأرسله غيره عن عكرمة، ثم قال: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الالتفات في الصلاة ما لم يلو عنقه، وإليه ذهب عطاء ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأهل الكوفة، ثم أورد حديث الباب شاهدا لهم، ثم قال: وقال من ذهب إلى حديث ابن عباس هذا الحديث لا يناقض حديث سهل بن الحنظلية، لاحتمال أن الشعب كان في جهة القبلة، وكان صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى الشعب ولا يلوي عنقه، ثم ذكر من قال بالمنع مطلقا ومن قال بالكراهة، والمسألة خلافية. (الحازمي: الاعتبار ص66، وعون المعبود 3/184- 185) . [2] عند الحاكم والبيهقي: "إن فارسكم قد أقبل" [3] عند الحاكم: "فجعلنا ننظر إلى ظل الشجرة". [4] وعند البيهقي: "فلما أصبحنا طلعت على الشعبين". [5] عند ابن أبي عاصم: "أنزلت الليلة؟ ". وعند الطبراني والحاكم والبييهقي: "نزلت الليلة؟ "، بإسقاط أداة الاستفهام. وعن الحاكم والبيهقي: "لعلك نزلت". [6] في بعض الألفاظ: "أو قاضي حاجة" بالإضافة. [7] قوله:"قد أوجبت" أي علمت عملا يوجب لك الجنة، فلا ضرر ولا جناح عليك في ترك العمل بعد هذه الحراسة لأنها تكفيك لدخول الجنة. (عون المعبود7/180) .
قلت: وهذا كقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهل بدر: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". ولكن الصحابة رضوان الله عليهم قابلوا هذا بالشكر والمواظبة على الأعمال الصالحة ومواصلة الجهاد في سبيل الدعوة إلى الله حتى آخر لحظة من حياتهم، ولم يكن للاتكال سبيل إلى نفوسهم لكمال معرفتهم بدينهم وعظيم خشيتهم من ربهم. [8] أبو داود: (السنن 1/210) ، كتاب الصلاة، باب الرخصة في الالتفات في الصلاة، 2/9 كتاب الجهاد، باب في فضل الحراسة في سبيل الله عز وجل.