اسم الکتاب : مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة المؤلف : الحكمي، حافظ بن محمد الجزء : 1 صفحة : 306
فلذلك أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير إلى رسولي قريش بعد أن زوده بنحو الوصية التي زود بها أبا جندل.
وخرج الرجلان بأبي بصير يريدان مكة، حيث الفتنة والتعذيب[1].
ففي هاتين القصتين دروس عظيمة أهمها درسان:
الأول: وفاء المسلم بعهده، فقد رأينا كيف أسلم المؤمنون إخوانهم إلى الكفار وهم يعلمون أن مصيرهم ثَمّ هو التعذيب، وما فعلوا ذلك إلا وفاء بالعهد، فالوفاء صفة أصيلة في المؤمن، وقد امتدح الله المؤمنين بذلك في قوله: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [2]، كما ذم الكفار بنقيض ذلك فقال: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [3].
الثاني: ثبات المؤمن على عقيدته مهما كلفه من ثمن، فأبو بصير وأبو جندل يعلم كل منهما ما ينتظره في مكة من الفتنة والتعذيب، لكن لم يعبأ واحد منهما لذلك إنما كان خوفهما على دينهما لأن العقيدة هي أغلى ما يملكه المؤمن، ولقد شهدت مكة نماذج كثيرة من ذلك الثبات، فقد شهدت قبل ذلك خبيب بن عدي رضي الله عنه تتناوشه رماح قريش وهو يقول:
ما إن أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع4 [1] انظر قصة أبي بصير ص 328. [2] سورة الرعد آية: 19-20. [3] سورة الرعد آية: 25.
4 قال ذلك حين أرادت قريش قتله، وكان من قصته أنه جاء رهط من عضل والقاره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فادّعوا الإسلام وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل معهم من يعلمهم، فأرسله في تسعة من القراء، سنة ثلاث، وأميرهم عاصم بن ثابت، فغدر بهم أولئك الرهط فقتلوا بعضهم وأسروا البعض، وكان ممن أسروا خبيب بن عدي فأسلموه إلى قريش. انظر صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي: 4086، وسيرة ابن هشام 3/169.
اسم الکتاب : مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة المؤلف : الحكمي، حافظ بن محمد الجزء : 1 صفحة : 306