اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 310
قال حذيفة: وأوصاني الرسول صلى الله عليه وسلم- حين ولّيت- ألّا أحدث في القوم حدثا حتى اتيه، فلما دنوت من معسكر القوم، نظرت ضوء نار توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يمد يديه إلى النار مستدفئا، ويمسح خاصرته، ويقول: الرحيل الرحيل، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فوضعت سهما في كبد قوسي وأردت أن أرميه، ثم ذكرت وصاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت، ولو رميته لأصبته.
وأحسست عصف الريح في جنبات المعسكر، لا تقرّ قدرا ولا نارا ولا بناء، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنّكم والله ما أصبحتم بدار مقام، قد هلك الكراع والخفّ، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإنّي مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فو الله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم ... [1] .
ورجع حذيفة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يقصّ عليه ما رأى ... وطلع النهار فإذا ظاهر المدينة خلاء.. ارتحلت الأحزاب، وانفكّ الحصار، وعاد الأمن، ونجح الإيمان في المحنة!.
وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا إله إلّا الله واحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب واحده، فلا شيء بعده..!» [2] . [1] هذه القصة صحيحة، وسياقها- هنا- مركب من ثلاث روايات: الأولى: عند الحاكم والبيهقي في الدلائل، من طريق عبد العزيز ابن أخي حذيفة عن حذيفة. وقد ذكر لفظه ابن كثير في التاريخ: 4/ 114- 115. الثانية: عند ابن هشام في (السيرة) : 2/ 194، عن محمد بن إسحاق بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن حذيفة، وكذلك أخرجه أحمد: 5/ 392- 393، من مسند حذيفة عن ابن إسحاق، وظاهر إسناده الاتصال، فهو صحيح. والرواية الثالثة: أخرجها مسلم: 5/ 177- 178، من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه عن حذيفة. ولها طريق رابعة: أخرجها الحاكم في (المستدرك) : 3/ 31، من طريق بلال العبسي عن حذيفة. وقال: «صحيح الإسناد» ، ووافقه الذهبي؛ وأخرجه البزار أيضا كما في (المجمع) : 6/ 136، وقال: «ورجاله ثقات» . [2] أخرجه البخاري في (غزوة الخندق) من صحيحه: 7/ 326، من حديث أبي هريرة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ... فذكره، وهذا مطلق ليس فيه ذكر الخندق. والله أعلم.
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 310