اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 239
فلما ووريت جثثهم، وأهيل التراب على رفاتهم، انصرف الناس وهم يشعرون أنّ أئمة الكفر قد استراح الدين والدنيا من شرورهم؛ إلا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم استعاد ماضيه الطويل في جهاد أولئك القوم، كم عالج مغاليقهم، وحاول هدايتهم؟! وكم ناشدهم الله، وخوّفهم عصيانه، وتلا عليهم قرانه؟! وهم- على طول التذكير- يتبجّحون، وبالله وآياته ورسوله يستهزئون، فخرج [1] النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل حتى بلغ القليب المطويّ على أهله، وسمعه الصحابة يقول: «يا أهل القليب! يا عتبة بن ربيعة! يا شيبة بن ربيعة! يا أمية بن خلف! يا أبا جهل بن هشام! هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقا» !.
فقال المسلمون: يا رسول الله! أتنادي قوما جيّفوا؟! قال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم! ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني [2] » .
كانت واقعة بدر في السابع عشر من رمضان لسنتين من الهجرة، وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ثلاثا، ثم قفل عائدا إلى المدينة يسوق أمامه الأسرى [1] حديث صحيح، أخرجه ابن إسحاق: 2/ 74، حدثني حميد الطويل عن أنس به، وهذا سند صحيح، وحميد وإن كان مدلّسا، فإنّ ما يرويه معنعنا عن أنس بينهما ثابت البناني، كما ذكروا في ترجمته، وهو ثقة من رجال الشيخين؛ وقد أخرجه أحمد: 3/ 104، 182، من طرق عن حميد به. وقال الحافظ ابن كثير 3/ 292: إنّه على شرط الشيخين. قلت: وقد وصله مسلم: 8/ 163؛ وأحمد: 2/ 219، 287، من طريق حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس؛ ورواه أحمد: 3/ 145، من طريق قتادة عن أنس، لكن رواه البخاري: 7/ 240- 241، من طريقه قال: ذكر لنا أنس عن أبي طلحة، فجعله من سند أبي طلحة، وهو الأصحّ كما قال الحافظ ابن كثير وابن حجر؛ ثم أخرجه مسلم والطيالسي: 2/ 97- 98، ترتيب الشيخ أحمد البنا؛ وأحمد، رقم (182) من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، عن عمر. فالظاهر أن أنس لم يسمعه منه صلى الله عليه وسلم، إنما رواه عنه بواسطة الصحابة؛ فكان تارة يرسله، وتارة يوصله، والحديث رواه غير من ذكر من الصحابة عبد الله بن عمر؛ أخرجه البخاري: 7/ 242، وغيره. وفي الباب عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما. وأما إنكار عائشة الذي ذكره المؤلف في التعليق فقد أنكره العلماء، وبيّنوا أنّ الصواب بجانب الذين رووا هذا الحديث. راجع: البداية، لابن كثير؛ والفتح، لابن حجر. وعندي أنّه لا تعارض بين روايتهم وروايتها، بل يمكن الجمع بينهما، وهو الصواب كما بيّنته في (أحكام الجنائز وبدعها) . [2] تنكر عائشة هذا الحديث محتجّة بقول الله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) [فاطر] وتقول: إنّ اللفظ الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما أنتم بأعلم لما أقول منهم» .
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 239