اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 171
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
حين عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك مكة إلى المدينة؛ ألقى الوحي الكريم في قلبه وعلى لسانه هذا الدعاء الجميل: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) [الإسراء] [1] .
ولا نعرف بشرا أحقّ بنصر الله، وأجدر بتأييده، مثل هذا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ الذي لاقى في جنب الله ما لاقى، ومع ذلك فإنّ استحقاق التأييد الأعلى لا يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه، وتوفير وسائله.
ومن ثمّ فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكم خطّة هجرته، وأعدّ لكلّ فرض عدته، ولم يدع في حسبانه مكانا للحظوظ العمياء.
وشأن المؤمن مع الأسباب المعتادة؛ أن يقوم بها كأنّها كلّ شيء في النجاح، ثم يتوكّل- بعد ذلك- على الله؛ لأنّ كلّ شيء لا قيام له إلا بالله.
فإذا استفرغ المرء جهوده في أداء واجبه، فأخفق بعد ذلك، فإنّ الله لا يلومه على هزيمة بلي بها، وقلّما يحدث ذلك، إلا عن قدر قاهر يعذر المرء فيه!!.
وكثيرا ما يرتّب الإنسان مقدّمات النصر ترتيبا حسنا، ثم يجيء عون أعلى يجعل هذا النصر مضاعف الثمار.
كالسفينة التي يشقّ عباب الماء بهاربّان ماهر، فإذا التيار يساعدها، والريح تهبّ إلى وجهتها، فلا تمكث غير بعيد، حتى تنتهي إلى غايتها في أقصر من وقتها المقرر. [1] هو من حديث ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة وأنزل عليه ... قلت: فذكر الاية. أخرجه الترمذي: 4/ 137؛ والحاكم: 3/ 3؛ والبيهقي: 9/ 9؛ وأحمد، رقم (1948) ، من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه، وليس في المسند والبيهقي (عن أبيه) عن ابن عباس، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح» . وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي. وفيه نظر؛ فإن قابوس بن أبي ظبيان أورده الذهبي في الميزان، ونقل عن ابن حبان أنه قال فيه: «رديء الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، فربما رفع المرسل، وأسند الموقوف، ولذلك قال الحافظ في (التقريب) : فيه لين» .
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 171