اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 131
عام الحزن
انطلق المسلمون من الشعب، يستأنفون نشاطهم القديم، بعد ما قطع الإسلام في مكة قرابة عشرة أعوام مليئة بالأحداث الضخمة، وما إن تنفس المسلمون من الشدة التي لاقوها، حتى أصيب الرسول صلى الله عليه وسلم بوفاة زوجته خديجة، ثم بوفاة عمّه أبي طالب.
أي أنه نكب في حياته الخاصة والعامة معا.
إنّ خديجة من نعم الله الجليلة على محمد عليه الصلاة والسلام، فقد ازرته في أحرج الأوقات، وأعانته على إبلاغ رسالته، وشاركته مغارم الجهاد المر، وواسته بنفسها ومالها، وإنك لتحسّ قدر هذه النعمة عند ما تعلم أنّ من زوجات الأنبياء من خنّ الرسالة، وكفرن برجالهنّ، وكنّ مع المشركين من قومهن والهن حربا على الله ورسوله:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) [التحريم] .
أما خديجة فهي صدّيقة النساء، حنّت على رجلها ساعة القلق، وكانت نسمة سلام وبر، رطّبت جبينه المتصبّب من اثار الوحي، وبقيت ربع قرن معه، تحترم قبل الرسالة تأمّله وعزلته وشمائله، وتتحمّل بعد الرسالة كيد الخصوم، والام الحصار، ومتاعب الدعوة، وماتت والرسول صلى الله عليه وسلم في الخمسين من عمره، وهي تجاوزت الخامسة والستين، وقد أخلص لذكراها طول حياته.
أما أبو طالب، فإنّ المرء يحار في أمره! وبقدر ما يهتزّ إعجابا لنبله في كفالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم لبطولته في الدفاع عنه حين نبّئ، وحين صدع بأمر ربه، وأنذر عشيرته الأقربين.
إنّه- بقدر ذلك- يستغرب المصير الذي ختم حياته، وجعله يصرّح- قبل موته- أنّه على ملّة الأشياخ من أجداده.
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 131