اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 129
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) [يونس] .
وكان الدخول في الإسلام والبقاء عليه أبعد ما يكون عن التهمة، ربما اعتنق فريق من الناس مبدأ ما- عن صدق وإقناع-، وليس يمنعهم ذلك من التماس النفع به، والتقدّم من ورائه.
أما أولئك السابقون الأولون، فقد علموا أنّ فقدان المنافع وهلاك المصالح الخاصة أول ما يلقون من تضحية في سبيل عقيدتهم.
ولا أحسب شيئا يربّي النفوس على التجرّد كهذا التفاني في الحق، للحق ذاته، ثم إنّ القران كان صارما في قمع المتاجرة بالعقائد، والإثراء على حسابها، والعلوّ في الأرض باسمها:
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (16) [هود] .
وقد أفاد الصحابة من ذلك عفّة ونقاء وإخلاصا، لا يعرف لها في التاريخ نظير؛ فلمّا تعثّرت تيجان الملوك بأقدامهم، واستسلمت الأقطار المكتظّة بالخير لجيوشهم، كانت دوافع العقيدة وأهدافها هي التي تشغل بالهم قبل الفتح وبعده، فلم يكترثوا لذهب أو فضة.. إنّما عناهم- أولا واخرا- إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وفي أيام الشّعب، كان المسلمون يلقون غيرهم في موسم الحج، ولم تشغلهم الامهم عن تبليغ الدعوة، وعرضها على كل وافد؛ فإنّ الاضطهاد لا يقتل الدعوات، بل يزيد جذورها عمقا، وفروعها امتدادا؛ وقد كسب الإسلام أنصارا كثرا في هذه المرحلة، وكسب- إلى جانب ذلك- أنّ المشركين قد بدؤوا ينقسمون على أنفسهم، ويتسائلون عن صواب ما فعلوا، وشرع فريق منهم يعمل على إبطال هذه المقاطعة، ونقض الصحيفة التي تضمنتها.
وأول من أبلى في ذلك بلاء حسنا هشام بن عمرو؛ فقد ساءته حال المسلمين، ورأى ما هم فيه من عناء؛ فمشى إلى زهير بن أبي أمية؛ وكان شديد
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 129