اسم الکتاب : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة المؤلف : البوطي، محمد سعيد رمضان الجزء : 1 صفحة : 349
إطلاقا. إذ هو نهي عن اتخاذ قبور الأنبياء وما حولها مصلى على نحو ما مرّ بيانه قريبا، تعلم هذا من قوله (مساجد) إذ المساجد أماكن الصلاة. ولو استقام أن يكون مجرد زيارة القبر اتخاذا له مسجدا، لكان من مقتضى ذلك أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلم قد جعل من البقيع كله مسجدا له، إذ كان يزوره دائما.
3- أما قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا قبري عيدا» ، فإنما معناه لا تتخذوا لزيارة قبري وقتا معينا لا يزار إلا فيه كما هو شأن العيد، كما فسره بذلك الحافظ المنذري وغيره من علماء الحديث، ولا مانع أن يضاف إليه أيضا النهي عن إظهار الصخب واللهو ومظاهر الزينة عنده على نحو ما يكون في الأعياد. أما أن تدل الكلمة على النهي عن زيارة قبره، فإنها عن ذلك بمعزل وما كان النبي صلّى الله عليه وسلم لينهى الناس عن اتخاذ قبره عيدا بهذا المعنى المزعوم ثم يعمد هو فيتخذ من البقيع في كل يوم عيدا! ..
ثم اعلم أن لزيارة قبره آدابا لابدّ من اتباعها، فإذا أكرمك الله تعالى بالتوجه إلى زيارته، فاعقد العزم أولا على زيارة مسجده ثم انو مع ذلك زيارة قبره الشريف. ثم اغتسل قبيل دخولك المدينة، والبس أنظف ثيابك، واستحضر في قلبك شرف المدينة وأنك في البقعة التي شرّفها الله بخير الخلائق. فإذا دخلت المسجد فاقصد الروضة الكريمة، وصلّ ركعتي تحية المسجد ما بين القبر والمنبر. فإذا دنوت إلى القبر الشريف بعد ذلك، فإياك أن تهجم عليه أو تلتصق بالشبابيك أو تتمسح بها كما يفعل كثير من الجهال، فتلك بدعة توشك أن تكون محرمة. بل قف بعيدا عن القبر نحو أربعة أذرع ناظرا إلى أسفل ما يستقبلك من جدار القبر، وأنت غاضّ الطرف تستشعر الهيبة والإجلال، ثم سلّم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بصوت خفيض قائلا: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أشهد أنك قد بلغت رسالة ربك ونصحت لأمتك ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وعبدت الله حتى أتاك اليقين فصلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك كثيرا كما يحبّ ربنا ويرضى» .
ثم استقبل القبلة وانحرف إلى اليمين قليلا حتى تكون بين القبر والأسطوانة التي عند أول القبر وارفع كفيك بدعاء خاشع إلى الله جلّ جلاله، ولا تتوهم أن في هذا سوء أدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأن الدعاء ينبغي أن يكون مع استقبال القبر، فإن الدعاء خطاب لله عز وجل والخطاب لله لا يجوز أن يشرك فيه غيره. وخير اتجاه إلى الله عز وجل لدعائه هو اتجاه القبلة، ولا تلتفت إلى كثرة من قد تراهم يخالفون هذا من الجهال والمبتدعين. وابدأ دعاءك قائلا: اللهم إنك قلت وقولك الحق: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء 4/ 64] ، وقد أتيتك مستغفرا من ذنوبي مستشفعا برسولك إليك،
اسم الکتاب : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة المؤلف : البوطي، محمد سعيد رمضان الجزء : 1 صفحة : 349