responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة المؤلف : البوطي، محمد سعيد رمضان    الجزء : 1  صفحة : 192
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ، عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة 5/ 78] .
ثم إن في هذه الواقعة لدروسا بليغة، ودلالات هامة تتعلق بكثير من أحكام الشريعة الإسلامية، نذكر منها ما يلي:
أولا: الخبر الذي جاء من الله تعالى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكشف ما بيّته اليهود من الغدر به، يعدّ واحدة من الخوارق الكثيرة التي أكرم الله بها رسوله صلّى الله عليه وسلم قبل بعثته وأثناءها، وهي مما ينبغي أن يسترعي انتباهنا ليحملنا على مزيد من الإيمان بنبوته ورسالته، والاقتناع بأن شخصيته النبوية تعتبر الأساس الأول لوجوده وصفاته الشخصية الأخرى.
وقد عبر بعض الكاتبين في السيرة وفقهها عن هذا الخبر الإلهي الذي نزل على الرسول صلّى الله عليه وسلم بفضح نوايا اليهود- عبر عن ذلك بأنه ألهم ما يبيته اليهود له-! وكلمة الإلهام تدل على معنى مشترك بين الناس كلهم فحاسّة الإلهام- عن طريق الإشارات والقرائن- حاسة طبيعية لا تختص بها فئة من الناس دون غيرهم. وكلمة (الخبر الإلهي) كما يستعملها علماء السيرة رحمهم الله تعالى، إنما تدل على معنى هو من سمات النبوة وخصوصياتها، ونحن نعلم أن هذا المعنى دون غيره هو الذي جعل النبي صلّى الله عليه وسلم يحس بالمكر، فهو الوفاء من الله تعالى بوعده القاطع لرسوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة 5/ 67] .
وإذا كان الأمر كذلك، ففيم التمويه في التعبير؟ .. أما إن هذا ليس إلا مظهرا من مظاهر إنكار معجزاته صلّى الله عليه وسلم. وقد علمت فيما مضى أن مصدر إنكار معجزاته عليه الصلاة والسلام- بعد ثبوتها بالقطع المتواتر- ليس إلا مظهر ضعف في الإيمان بنبوته عليه الصلاة والسلام.
ثانيا: قطع نخيل بني النضير وإحراقها، ثبت بالاتفاق. والذي أتلفه الرسول صلّى الله عليه وسلم من ذلك إنما هو البعض ثم ترك الباقي. وقد نزل القرآن تصويبا لما أقدم عليه النبي صلّى الله عليه وسلم من ذلك:
قطعا وإبقاء، وذلك في قوله تعالى: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ ... [الحشر 59/ 5] .
وقد استدل عامة العلماء بذلك، على أن الحكم الشرعي في أشجار العدو وإتلافها منوط بما يراه الإمام أو القائد من مصلحة النكاية بأعدائهم، فالمسألة إذن من قبيل ما يدخل تحت اسم السياسة الشرعية. قال العلماء: وإنما كان قصد الرسول صلّى الله عليه وسلم بتصرفه هذا في النخيل- قطعا أو كفا- تحقيق المصلحة وتلمس السبيل إليها، إرشادا وتعليما للأئمة من بعده.
وبهذا أيضا علل الشافعي رحمه الله، أمر أبي بكر رضي الله عنه بالإحراق والقطع، حينما أرسل خالدا إلى طليحة وبني تميم، مع أنه نهى هو نفسه عن ذلك في حروب الشام. ويقول رحمه الله في هذا: «ولعل أمر أبي بكر بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجرا مثمرا، إنما هو لأنه سمع

اسم الکتاب : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة المؤلف : البوطي، محمد سعيد رمضان    الجزء : 1  صفحة : 192
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست