اسم الکتاب : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة المؤلف : البوطي، محمد سعيد رمضان الجزء : 1 صفحة : 157
سعد: «لقد آمنّا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك» .
فسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقول سعد، ثم قال: «سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين.. والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم» .
ثم إن النّبي صلّى الله عليه وسلم أخذ يتحسس أخبار قريش وعددهم عن طريق العيون التي بثّها حتى علم المسلمون أنهم ما بين التسع مئة والألف، وأن فيهم عامة زعماء المشركين.
وقد كان أرسل أبو سفيان إليهم أن يرجعوا إلى مكة، إذ إنه قد أحرز العير، ولكن أبا جهل أصرّ على المضيّ، وكان مما قال: «والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم عليه ثلاثا، فننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا» .
ثم إنهم مضوا حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي، ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند أدنى ماء من مياه بدر. فقال الحباب بن المنذر: «يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم ولا أن نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الحرب والرأي والمكيدة، فقال: فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغوّر ما وراءه من الآبار، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فنهض رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتحوّل إلى المكان والرأي اللذين أشار بهما الحباب رضي الله عنه» [1] .
واقترح سعد بن معاذ أن يبنى عريش للنّبي صلّى الله عليه وسلم يكون بمأمن فيه رجاء أن يعود سالما إلى من تخلف من المسلمين في المدينة وأن لا ينكبوا بفقده، فوافق عليه الصلاة والسلام على ذلك. ثم أخذ يطمئن أصحابه بتأييد الله ونصره. حتى إنه كان يقول: «هذا مصرع فلان، ومصرع فلان (أي من المشركين) ، وهو يضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا.. فما تزحزح أحدهم في مقتله عن موضع يده!» [2] .
وراح رسول الله صلّى الله عليه وسلم يجأر إلى الله تعالى بالدعاء مساء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان ويقول: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك. اللهم [1] روى ابن هشام في سيرته حديث الحباب بن المنذر هذا عن إسحاق عن رجال من بني سلمة، فهي فيما رواه ابن هشام رواية عن قوم مجهولين. وذكر الحافظ بن حجر هذا الحديث في الإصابة فرواه عن ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغير واحد في قصة بدر. وهذا سند صحيح والحافظ بن حجر ثقة فيما ينقل ويروي. (راجع الإصابة: 1- 302) . [2] رواه مسلم: 6/ 170
اسم الکتاب : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة المؤلف : البوطي، محمد سعيد رمضان الجزء : 1 صفحة : 157