.. وبهذا يرتفع الإشكال أيضاً عن إنكار عمر بحضرته صلى الله عليه وسلم فى نفس القصة، على ما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت: "رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يسترنى وأنا أنظر إلى الحبشة، وهم يلعبون فى المسجد، فزجرهم عمر [1] فقال النبى صلى الله عليه وسلم، دعهم. أمنا بنى أرفدة" يعنى من الأمن [2] يشير إلى أن المعنى: اتركهم من جهة إنا آمناهم أمناً.
... فإنكار عمر هنا مبنى على أن الأصل تنزيه المساجد عن اللعب فيها بالحراب، فبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الجواز.
... كما يحتمل أن يكون عمر لم يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعلم أنه رآهم، كما يحتمل أن يكون إنكاره لهذا شبيه إنكاره على المغنيتين، وكان من شدته فى الدين ينكر خلاف الأولى، والجد فى الجملة أولى من اللعب المباح. وأما النبى صلى الله عليه وسلم، فكان بصدد بيان الجواز [3] .
ثالثاً: ليس فى الحديث ما يزعمه دعاة الفتنة من استماع رسول الله صلى الله عليه وسلم، للباطل من الغناء على لسان المغنيات بدلالة ما يلى: [1] وفى رواية أبى هريرة: "فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها، أى أهوى عمر إلى الحصى الصغار يرميهم بها. [2] أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها. كتاب العيدين، باب إذا فاته العيد يصلى ركعتين 2/550 رقمى 987، 988، وكتاب الصلاة، باب أصحاب الحراب فى المسجد 1/653 رقم 454. ومن حديث أبى هريرة فى كتاب الجهاد، باب اللهو بالحراب ونحوها 6/109 رقم 2901، ومسلم (بشرح النووى) كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة فى اللعب الذى لا معصية فيه فى أيام العيد 3/452 رقم 893. [3] ينظر: فتح البارى 2/515 رقم 950، 6/109 رقم 2901، والمنهاج شرح مسلم 3/455 رقم 893.