.. وقالوا: يستحب أن لا ينقص فى الغسل من صاع، ولا فى الوضوء من مد، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم [1] إلى أحكام كثيرة لا تحصى لمن تتبعها.
... فمتابعته صلى الله عليه وسلم فى تلك الأفعال التى يكاد يقطع فيها بخلوها من القربة، كهيئة وضع أصابع اليد اليمنى فى التشهد، يستحب المحافظة عليها والأخذ بها ما أمكن، تدريباً للنفس على الجموح، وتمريناً لها على أخلاق صاحب الشرع، لتعتاد ذلك؛ فلا تخل بعده بشئ مما فيه قربة وإن خفيت.
... فإن النفس مهما سومحت فى اليسير تشوقت إلى المسامحة فيما فوقه. فهذا ونحوه هو الذى يظهر لى أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كان يلاحظه ويراقبه، فأخذ نفسه بالمحافظة على جميع آثاره صلى الله عليه وسلم قال نافع [2] : "لو رأيت ابن عمر يتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت هذا مجنون" [3] . [1] فعن أنس ابن مالك رضى الله عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد" أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الوضوء، باب الوضوء بالمد 1/364 رقم 201، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب القدر المستحب من الماء فى غسل الجنابة 2/240 رقم 325. [2] هو: أبو عبد الله المدنى، مولى ابن عمر، ثقة، ثبت، فقيه، مشهور. مات سنة 119هـ له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/239 رقم 7112، ومشاهير علماء الأمصار ص104 رقم 578، وتاريخ الثقات لابن شاهين ص322 رقم 1403، وتاريخ الثقات للعجلى ص447 رقم 1679. [3] أخرجه الحاكم فى المستدرك 3/647 رقم 6376 وسكت عنه، وحذفه الذهبى من التلخيص، وأخرجه أبو نعيم فى حلية الأولياء 1/310. وأخرج أبو نعيم أيضاً عن عاصم الأحوال عمن حدثه قال: "كان ابن عمر إذا رآه أحد ظن أن به شيئاً من تتبعه آثار النبى صلى الله عليه وسلم".