ويلاحظ هنا أن الوقوف على سبب النزول هو الذى جلى الموقف لابن عباس، ورفع الإشكال عنها، وسبب نزولها على ما روى عن البراء بن عازب رضى الله عنه [1] أنه قال: "مات رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قبل أن تحرم الخمر، فلما حرمت الخمر، قال رجال كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر؟ فنزلت: {ليس على الذين آمنوا وعلموا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا} [2] فالآية ترفع الجناح عمن شربها قبل التحريم. فلا إشكال ولا تعارض.
من أجل ذلك فقد أكد العلماء على الأهمية البالغة لسبب النزول وأنه طريق قوى فى فهم معانى القرآن الكريم [3] .
وإذا رجعت إلى السيرة النبوية لتفهم منها التجسيد الحى للقضية الأولى التى ابتدأ بها أمر الدين، وهى الوحي الإلهى، لرأيت أن السيرة العطرة كانت أقرب وأقوى فى تفسير آيات الوحي من بعض التفاسير التى اتخذت الجانب اللغوى، أو التصوير البيانى، أو التأويل التكليفى.
قال تعالى: {إن سنلقى عليك قولاً ثقيلاً} [4] وقال سبحانه: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون} [5] . [1] صحابى جليل له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص55 رقم 272، والرياض المستطابة ص37، وتاريخ الصحابة ص42 رقم 103، وأسد الغابة 1/362 رقم 389. [2] الآية 93 المائدة، والحديث أخرجه الترمذى فى سننه كتاب تفسير القرآن، باب سورة المائدة 5/237 رقم 3050 وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود الطيالسى فى مسنده 1/97 رقم 715، وللحديث شاهد من رواية ابن عباس فى سنن الترمذى فى الأماكن السابقة نفسها برقم 3052 وقال: حديث حسن صحيح. [3] ينظر: التفسير والمفسرون للدكتور محمد الذهبى 1/58، ومناهل العرفان فى علوم القرآن 1/110. [4] الآية 5 المزمل. [5] الآية 21 الحشر.