.. كما أن العلماء عدو قوله: من قوة فقهه، ودقيق نظره، ومن موافقاته للوحى، قصد منه التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين رآه قد غلب عليه الوجع، وشدة الكرب، وقامت عنده قرينه بأن الذى أراد كتابته، ليس مما لا يستغنون عنه، إذ لو كان من هذا القبيل، لم يتركه عليه الصلاة والسلام، لأجل اختلافهم ولغطهم، لقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} [1] .
... كما لم يترك صلى الله عليه وسلم تبليغ غيره بمخالفة من خالفه، ومعاداة من عاداه، وفى تركه عليه الصلاة والسلام، الإنكار على عمر إشارة إلى تصويبه صلى الله عليه وسلم رأيه [2] .
... قلت: وهذا عندى من أقوى ما يتمسك به فى الرد على الرافضة ومن قال بقولهم، لأن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر، هو إقرار منه صلى الله عليه وسلم بتصويب رأيه، ويأخذ هذا الإقرار حكم المرفوع المسند.
... ويؤيد صحة ما سبق، من صحة رأى عمر، وأن أمره صلى الله عليه وسلم بالكتابة لم يكن على سبيل الوجوب، ما جاء فى نفس الحديث من وصيته عليه الصلاة والسلام بثلاث قال: "اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم [3] وسكت عن الثالثة أو قال الراوى: فنسيتها" [4] . [1] الآية 67 المائدة. [2] ينظر: دلائل النبوة للبيهقى 7/184، 185، وفتح البارى 7/740 رقم 4432. [3] قال العلماء: هذا أمر منه صلى الله عليه وسلم، بإجازة الوفود، وضيافتهم، وإكرامهم، تطيباً لنفوسهم، وترغيباً لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم، وإعانة على سفرهم، قال القاضى عياض: قال العلماء: سواء كان الوفد مسلمين أو كفاراً، لأن الكافر إنما يفد غالباً فيما يتعلق بمصالحنا ومصالحهم"أهـ ينظر: المنهاج شرح مسلم 6/105 رقم 1637، وفتح البارى 7/741 رقم 4432. [4] ينظر: تخريج حديث بحثنا ص235.