أما ما ارتضاه كثير من المفسرين فى معنى الخشية بأنها: مجرد خوفه من قالة المنافقين، وطعنهم فى ذاته الكريمة بقولهم: تزوج زوجة ابنه، أى من تبناه [1] . فهذا التأويل ترده سيرته العطرة مما تعالم وعرف فى تاريخ تبليغه الرسالة على مدى مدة الإقامة فى مكة – ثلاثة عشر عاماً – وما مضى من مدة قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة إلى حين وقوع قصة زيد وزينب، وهى قد وقعت فى السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة، من مناهضة الكفر والشرك والوثنية، وطغيان ملأ قريش وعتوهم وفجور سفهائهم من مواقف حفظها تاريخ السيرة النبوية العطرة من صبر على البلاء، ومجابهة الأعداء فى وقائع وأحداث كثيرة تدل قطعاً على أن النبى صلى الله عليه وسلم ما كان فى حياته المباركة يخشى أحداً غير الله تعالى، ولا يقيم وزناً لأقوال الناس فيه، وأفعالهم معه، وفى مهاجره صلى الله عليه وسلم لقى من أعداء الإسلام اليهود والمنافقين وبقايا المشركين مالا يقل فى عنفونه وعتوه، عن فجور مشركى مكة، فلم يحفل به، ولا خشى أحداً من الناس، ولو لم يكن من صور صبره صلى الله عليه وسلم على سفاهة السفهاء، وقالة السوء من أعدى أعداء الإسلام المنافقين واليهود إلا صبره فى قصة الإفك (2) [1] فعن عائشة رضى الله عنها قالت: لما تزوج صلى الله عليه وسلم زينب، قالوا تزوج حليلة ابنه، فنزل: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما} الآية 40 الأحزاب، والحديث أخرجه الترمذى فى سننه كتاب التفسير، باب سورة الأحزاب 5/328 رقم 3207 وقال: حديث غريب. وينظر: فتح البارى 8/384 رقم 4787، والسيرة النبوية فى ضوء الكتاب والسنة للدكتور محمد أبو شهبة 2/297، 298.
(2) القصة أخرجها البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب {لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين… الآية} 8/306 رقم 4750، ومسلم (بشرح النووى) كتاب التوبة، باب حديث الإفك – 9/115 رقم2770من حديث عائشة رضى الله عنها.