وبهذين الاحتمالين السابقين تبقى مكية الآية قائمة، ومما يؤكد القول بمكيتها ما قاله صلى الله عليه وسلم لابنته زينب رضى الله عنها [1] لما قامت تغسل عنه التراب الذى نثره أحد سفهاء قريش، وهى تبكى؛ خاطبها صلى الله عليه وسلم: بقوله: "لا تبكى يا بنية، فإن الله مانع أباك" [2] فهذا يدل بما لا مجال للريب فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان على يقين من عصمة الله عز وجل له من جميع ما يكيدون ويدبرون.
وأيضاً فإن القول بمدنية هذه الآية مع ما فى أسلوبها من شدة الأمر بالتبليغ، والتحريض عليه، والتوعد على التقصير فيه، يتنافى مع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة من عزة ومنعة، مكنته من التبليغ ونشر الدعوة بقوة، ونقلها إلى خارج المدينة التى هو فيها سيد الموقف وبيده المبادأة متى أرادها.
بل كيف يتأتى القول أن تنزل عليه آية العصمة من الناس فى المدينة، وهو للعصمة أحوج فى مطلع الرسالة منه عليها فى آخرها؛ وسورة المائدة من آخر القرآن تنزيلاً" [3] . [1] لها ترجمة فى: أسد الغابة 7/131 رقم 6964، والاستيعاب 4/1853 رقم 3360، والإصابة 4/312. [2] أخرجه ابن إسحاق مرسلاً عن عروة بن الزبير رضى الله عنه، ينظر: السيرة النبوية لابن هشام 2/29، 30 نص رقم 414، وأخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى 1/124، والطبرى فى تاريخه 2/344، والبيهقى فى دلائل النبوة 2/350 كلاهما من طريق ابن إسحاق عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن جعفر، وكذا أورده ابن كثير فى البداية والنهاية 3/120، والسهيلى فى الروض الأنف 2/223 وللحديث شاهد من حديث عائشة رضى الله عنها أخرجه البيهقى فى دلائل النبوة 2/349، 350. [3] فتح القدير للشوكانى 2/26.