تحت إمرة الرسول ثلاثون ألف مقاتل مسلحون تسليحا حسنا ... ثلاثون ألف مقاتل أولو جراءة وتفان. وكان ينبسط أمامه حقل واسع لاشباع شهوته إلى اكراه الناس على الدخول في الدين، إن يكن لديه شيء من مثل هذه الشهوة. ولكن التاريخ لم يسجل ان أيما رجل اعتنق الاسلام نتيجة لهذه الحملة الضخمة. وحتى لو ان الرغبة في التوسع الاقليمي كانت مستحوذة على الرسول فهل كان في الامكان أن تتاح له فرصة مواتية لذلك أكثر من هذه الفرصة؟ لقد تحمّل مشاق الرحلة الطويلة المرهقة في قيظ الصيف العربي المحرق. وكان قد انتهى أخيرا إلى أبواب بلاد العدو نفسها، ذلك العدو الذي ألفاه الرسول غير مستعد لإبداء أيما مقاومة. إن اندفاعة واحدة إلى الأمام نحو سورية المنبسطة أمامه كان خليقا بها أن تملّكه رقعة من الأرض الخصبة واسعة. ولكن فؤاده كان بريئا من الرغبة في التوسع الاقليمي براءته من ادخال الناس في الدين عنوة. فعلى الرغم من كل ذلك الانفاق وتلك المشاق، لم يكد الرسول يقتنع بعد تريّث دام عشرين يوما بأنه لم يكن ثمة داع للقلق حتى انقلب عائدا تنفيذا للوصية القرآنية التي تقول: «وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» *. لقد أبى العدو القتال. فكيف يقاتله الرسول؟
وهكذا عقدت بعض الاتفاقات مع عدد من الدويلات النصرانية، وأقرّ السّلم على الحدود.
(*) السورة 2، الآية 190.