responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حياة محمد ورسالته المؤلف : اللاهوري القادياني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 189
أن خلاصها كامن في ذلك الاسلام نفسه الذي دأبت منذ البدء على تصويره بألوان ليس أشدّ منها قتاما. عجيبة هي طرائق الله، فلا غرابة إذا ما أعاد تاريخ الاسلام نفسه. إن اولئك الذين عقدوا العزم على إبادته قد يسحرهم، عما قريب، سلطانه الاخلاقي كالذي حدث عند عقد صلح الحديبية. ومن يدري فقد تتجلّى قوة الله كرة أخرى، فاذا بما يبدو اليوم- وفقا لكل تقدير بشريّ- وكأنه قهر نهائيّ للاسلام ينقلب غدا ليصبح انتصار الاسلام الحقيقي.
إن قبول الرسول لمثل هذه الشروط القاسية [التي انطوى عليها صلح الحديبية] لم يكن خلوا من حكمة الهية. فالحادثة نفسها شهادة بليغة على ان الرسول كان شديد المقت للحرب. كان المسلمون، حتى ذلك الحين، هم أصحاب اليد العليا في مختلف النزاعات التي نشأت بينهم وبين قريش. إنهم لم يعرفوا الهزيمة مرة واحدة قط، برغم تألب القبائل كلها عليهم وتعاونها ضدهم. لقد اعتبروا تلك الشروط ماسة بكرامة دينهم، وأصرّوا على رفضها. وكانوا قد أقسموا ليقاتلنّ حتى آخر رجل فيهم دفاعا عن شرف الاسلام. ومع ذلك، نجد الرسول- في حيثما بدا له اضأل دليل على جنوح العدو للسّلم- يرحب بتلك البادرة ترحيبا قلبيّا. إن المسلمين لم يهزموا، ولكن أحكام المعاهدة بدت وكأنها تعاملهم بوصفهم الفريق المغلوب، ومع ذلك قبلها الرسول. أفيمكن لمثل هذا الموقف أن يكون موقف رجل وطّن النيّة على التحكّم بالآخرين والاستبداد بهم، كما يزعم الزاعمون؟ أليس ذلك برهانا قاطعا على مدى حب الرسول للسلم وتعلّقه به؟ إن القرآن أيضا ليوصي بضرورة اتخاذ هذا الموقف نفسه حين يقول: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.» *

(*) السورة 8، الآية 61.
اسم الکتاب : حياة محمد ورسالته المؤلف : اللاهوري القادياني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 189
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست