القرشية. وإلى هذا، فقد كانت الأخيرة مؤلفة من محاربين مدربين بارعين، على حين كان المسلمون قد حشدوا حتى الشبان الذين لا خبرة لهم بالحرب ولا مراس. واذن، فلم يكن المسلمون- لا من حيث العدد ولا من حيث القوة والبراعة- أندادا لعدوّهم. وهذا ما أورث الرسول أعظم القلق. فانقلب إلى عريش كانوا قد بنوه له وابتهل إلى الله بعينين دامعتين قائلا: « [اللهمّ هذه قريش قد أتت بخيلائها تحاول أن تكذّب رسولك، اللهمّ فنصرك الذي وعدتني] . اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد!» وبعد أن [هتف بربّه مادّا يديه مستقبلا القبلة] خرج إلى الناس متهلل الوجه وجهر بتلاوة الآية القرآنية التي تقول، وكانت قد أنزلت اليه قبل ذلك بفترة غير يسيرة: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ.» *
أما قريش فكانت قد خرجت بالسلاح الكامل. وعملا بالوصية القرآنية أحجم المسلمون عن الهجوم، ريثما يضرب العدو الضربة الأولى.
وأخيرا خرج من صفوف المكيين ثلاثة من أبطال قريش [هم عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس، وابنه الوليد، وأخوه شيبة] فطلبوا من يخرج للقائهم من صفوف المسلمين. وكانت العادة المتّبعة في الحروب العربية، في تلك الأيام، تقضي بأن يفتتح القتال بمبارزات فردية. وهكذا قبل التحدي ثلاثة من المسلمين [هم حمزة بن عبد المطلب، وعبيدة ابن الحارث بن المطلب، وعليّ بن ابي طالب] ، فخرجوا لمبارزتهم [فكان عبيدة بأزاء عتبة، وعليّ بأزاء الوليد، وحمزة بأزاء شيبة] .
واتفق ان صرع الابطال القرشيون الثلاثة في المبارزة. وعقب ذلك بضع مبارزات أخرى، وسرعان ما أمسى القتال عاما. لقد حمل القرشيون على المسلمين، ولكن هؤلاء ثبتوا لهم، وردّوهم على أعقابهم.
(*) السورة 54، الآية 45.