اعتذرت بعجزها عن التنكّر لدين آبائها دفعة واحدة. وتساءلت قبيلة أخرى [بنو عامر] هل سيكون لهم في حال انتصاره نصيب في الملك الذي سيتمّ له إذا ما أيدته ودخلت في دينه، فأجابهم الرسول بقوله ان الله يؤتي الملك من يشاء [فلووا عنه وجوههم وردّوه كما ردّه غيرهم] . وهذه الحادثة، برغم تفاهتها، تغني عن مجلدات تؤلّف في نزاهة النبي واخلاصه. فلو قد كان السلطان الشخصي هو هدفه، كما زعم الزاعمون في كثير من الاحيان، اذن فما الذي كان يمنعه من اكتساب قبيلة برمّتها بمجرد إعطائها وعدا بتحقيق ما طلبت؟ ولكن الواقع هو أن الفوز بالسلطة الزمنية لم يكن في أيما يوم هدف جهوده.
كان قلبه يتفطّر في جوانحه أسى على تفسّخ البشرية وانحطاطها. وكان السموّ بالانسان في مراقي انسانيته هو هدف حياته الأوحد. وكان يتطلّع في لهفة إلى العون الالهي، وهو عون لم يشكّ الرسول لحظة في انه آت لا محالة، أما متى سيتمّ ذلك فهذا ما لم يستطع تحديده.
وفيما الرسول يبشّر مختلف القبائل بالاسلام، خلال موسم الحج، التقى مصادفة ببضعة رجال من الخزرج، إحدى قبائل المدينة. وبعد أن استيقن انهم خزرجيون، سألهم ما إذا كانوا من عشراء اليهود، فأجابوه أن نعم. ثم إنه بسط لهم رسالة الاسلام. وإذ كانت لهم صلة بالاوس والخزرج، واذ كانوا قد عاشوا في المدينة التي اشتمل سكانها على عدد من اليهود كبير، فقد سبق لهم أن سمعوا ان أوان ظهور النبي الموعود الذي تنبأت به كتب اليهود المقدسة أمسى قريبا. وهكذا فأن دعوى الرسول انه هو ذلك النبي الموعود لم تكن مفاجأة لهم البتة. وبفضل التعاليم الاسلامية التي شرحها الرسول لهم، وهي تعاليم ذات جمال فطريّ، من ناحية، وبفضل توقّعهم مجيء ذلك النبي، من ناحية ثانية، وقع في نفس اولئك الخزرجين أنه كان هو النبي حقا. ومن