اسم الکتاب : تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس المؤلف : الدِّيار بَكْري الجزء : 1 صفحة : 329
ودود القزان نسجت حريرا ... يجمل لبسه فى كل شى
فان العنكبوت أجل منها ... بما نسجت على رأس النبى
ولقد حصل للعنكبوت الشرف بذلك كذا فى المواهب اللدنية* روى ابن وهب أن حمام مكة أظلت النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم فتحها فدعا لها بالبركة ونهى عن قتل العنكبوت وقال هى جند من جنود الله* وفى العمدة روى عن أبى بكر رضى الله عنه أنه قال لا أزال أحب العنكبوت منذ رايت النبىّ صلّى الله عليه وسلم أحبها ويقول جزى الله العنكبوت عنا خيرا فانها نسجت علىّ وعليك يا أبا بكر فى الغار حتى لم يرنا المشركون الا أن البيوت تطهر من نسجها لما روى عن علىّ أنه قال طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فان تركه فى البيت يورث الفقر* وفى الاكتفاء وأتى المشركون من كل بطن حتى اذا كانوا من النبىّ صلّى الله عليه وسلم على قدر أربعين ذراعا معهم قسيهم وعصيهم تقدّم أحدهم فنظر فرآى حمامتين فرجع فقال لاصحابه ليس فى الغار شىء رأيت حمامتين على فم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد فسمع قوله النبىّ صلّى الله عليه وسلم فعلم أن الله قد دارأ بهما عنه فأثنى عليهما وفرض جزاءهما وانحدرن فى حرم الله ففرّخن أحسبه قال فأضل كل حمام فى الحرم من فراخهما وفى حياة الحيوان ان حمام الحرم من نسل تلك الحمامتين* روى أيضا أن أبا بكر لما رآى القائف اشتدّ حزنه على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال ان قتلت فانما أنا رجل واحد الى آخر ما سبق فعند ذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تحزن ان الله معنا يعنى بالنصرة فأنزل الله سكينته أى أمنه الذى يسكن عنده القلوب عليه أى على النبىّ صلّى الله عليه وسلم أو على أبى بكر وهو الاظهر لانه كان منزعجا وأيده يعنى النبىّ صلّى الله عليه وسلم بجنود لم تروها يعنى الملائكة أنزلهم يحرسونه فى الغار وليصرفوا وليضربوا وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته وألقوا الرعب فى قلوبهم حتى انصرفوا خائبين كذا فى معالم التنزيل* أنظر لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حزن الصدّيق قد اشتدّ لكن لا على نفسه قوّى قلبه ببشارة لا تحزن ان الله معنا وكانت تحفة ثانى اثنين مدخرة له فهو الثانى فى الاسلام والثانى فى بذل النفس والعمر وسبب الموت ولما وقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بماله ونفسه جوزى بمواراته معه فى رمسه وقام مؤذن التشريف ينادى على منائر الامصار ثانى اثنين اذهما فى الغار ولقد أحسن حسان بن ثابت حيث قال
وثانى اثنين فى الغار المنيف وقد ... طاف العدوّ به اذ صاعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا ... من الخلائق لم يعدل به بدلا
وتأمّل فى قول موسى عليه السلام لبنى اسرائيل كلا ان معى ربى سيهدين وقول النبىّ صلّى الله عليه وسلم للصدّيق ان الله معنا فموسى خص بشهود المعية ولم يتعدّ منه الى أتباعه ونبينا صلّى الله عليه وسلم تعدّى منه الى الصدّيق لم يقل معى لانه أمدّ أبا بكر بنوره فشهد سرّ المعية ومن ثم سرى سر السكينة الى أبى بكر والا لم يثبت تحت أعباء هذا التجلى والشهود وأين معية الربوبية فى قصة موسى عليه السلام من معية الالهية فى قصة نبينا صلّى الله عليه وسلم قاله العارف شمس الدين بن اللبان كذا فى المواهب اللدنية عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان أبو بكر مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الغار فعطش عطشا شديدا فشكى الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال له النبى صلّى الله عليه وسلم اذهب الى صدر الغار فاشرب قال أبو بكر فانطلقت الى صدر الغار فشربت ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأزكى رائحة من المسك ثم عدت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال شربت فقلت نعم قال ألا أبشرك يا أبا بكر قلت بلى يا رسول الله قال ان الله تبارك وتعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن اخرق نهرا من جنة
اسم الکتاب : تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس المؤلف : الدِّيار بَكْري الجزء : 1 صفحة : 329