اسم الکتاب : تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس المؤلف : الدِّيار بَكْري الجزء : 1 صفحة : 189
الى المغمس فلما نزل ابرهة المغمس بعث رجلا من الحبشة يقال له الاسود بن مقصود على خيل له وأمره بالغارة على الناس فمضى حتى انتهى الى مكة فساق اليه أموال أهل تهامة وغيرهم فأصاب فيها مائتى بعير لعبد المطلب بن هاشم وهو يومئذ كبير قريش وسيدها وفى المواهب اللدنية فاستاق ابل قريش وغنمها وكان لعبد المطلب فيها اربعمائة ناقة فركب عبد المطلب فى قريش حتى طلع جبل ثبير فاستدارت دائرة غرّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم على جبينه كالهلال واشتدّ شعاعها على البيت الحرام مثل السراج فلما نظر عبد المطلب الى ذلك قال يا معشر قريش ارجعوا فقد كفيتم هذا الامر فو الله ما استدار هذا النور منى الا أن يكون الظفر لنا فرجعوا متفرّقين وهمّ أهل الحرم بقتاله ثم عرفوا ان لا طاقة لهم به فتركوه* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم به فتركوا ذلك وبعث ابرهة حناطة الحميرى الى مكة وقال له سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثم قل له ان الملك يقول انى لم آت لحربكم انما جئت لهدم هذا البيت فان لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لى بدمائكم فان هو لم يرد حربى فأتنى به فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها فقيل له عبد المطلب بن هاشم فجاءه فقال له ما أمر به ابرهة فقال له عبد المطلب والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة فقال له حناطة فانطلق اليه فانه أمرنى أن آتيه بك* وفى المواهب اللدنية روى أن رسول ابرهة لما دخل الى مكة ونظر الى وجه عبد المطلب خضع وتلجلج لسانه وخرّ مغشيا عليه فكان يخور كما يخور الثور عند ذبحه فلما أفاق خرّ ساجدا لعبد المطلب وقال أشهد انك سيد قريش* قال ابن اسحاق ثم انطلق مع حناطة عبد المطلب ومعه بعض بنيه فكلم أنيس سائس الفيل ابرهة فقال أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك وهو صاحب عين مكة وهو يطعم الناس فى السهل والوحوش والطيور فى رؤس الجبال قال فأذن له ابرهة وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم فلما رآه ابرهة عظم فى عينه فأجله وأكرمه عن أن يجلس تحته وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سريرة لمكه فنزل ابرهة عن سريره وجلس على بساطه وأجلسه معه الى جنبه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتك فقال له ذلك الترجمان فقال حاجتى أن يردّ علىّ الملك مائتى بعير لى أصابها فلما قال له ذلك قال ابرهة لترجمانه قل له كنت أعجبتنى حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتنى أتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمنى فيه قال عبد المطلب أنا رب الابل وان للبيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمتنع منى قال أنت وذاك وكان فيما يزعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب الى ابرهة حين بعث اليه حناطة يعمر بن تبالة بن عدى بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهو يومئذ سيد بنى بكر وخويلد بن واثلة الهذلى وهو يومئذ سيد هذيل فعرضوا على ابرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم فالله أعلم أكان ذلك أم لا* وفى المواهب اللدنية روى أنه لما حضر عبد المطلب عند أبرهة أمر سائس فيله الابيض العظيم الذى كان لا يسجد للملك ابرهة كما تسجد سائر الفيلة أن يحضره بين يديه فلما نظر الفيل الى وجه عبد المطلب برك كما يبرك البعير وخرّ ساجدا وأنطق الله الفيل فقال السلام على النور الذى فى ظهرك يا عبد المطلب فى ظاهر قوله فاستدارت غرة نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم على جبين عبد المطلب كالهلال الى آخره وقوله أنطق الله الفيل فقال السلام على النور الذى فى ظهرك يا عبد المطلب نظر لان عبد الله حينئذ كان موجودا فيكون النور منتقلا اليه وفى سيرة ابن هشام عن ابن اسحاق فردّ أبرهة على عبد المطلب الابل التى أصاب له فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب الى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرّز فى شعف
اسم الکتاب : تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس المؤلف : الدِّيار بَكْري الجزء : 1 صفحة : 189