اسم الکتاب : تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس المؤلف : الدِّيار بَكْري الجزء : 1 صفحة : 18
خبر آخر أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ وعن ابن عباس أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ بحفظ الله بما كتب فيه ما كان ويكون لا يعلم ما فيه الا الله*
مطلب اللوح والقلم
وفى المدارك محفوظ من وصول الشيطان انتهى وهو من درّة بيضاء دفتاه ياقوتتان حمراوان وهو فى عظم لا يوصف وخلق الله له قلما من جوهرة طولها مسيرة خمسمائة عام مشقوق السنّ ينبع منه النور كما ينبع من أقلام أهل الدنيا المداد ثم نودى القلم أن اكتب فاضطرب من هول النداء حتى صار له ترجيع كترجيع الرعد ثم جرى فى اللوح بما هو كائن وما هو فاعله فى الوقت الذى يفعله الى يوم القيامة فامتلأ اللوح وجف القلم سعد من سعد وشقى من شقى وفى طوالع الانوار للبيضاوى القلم يشبه أن يكون العقل الاوّل لقوله عليه الصلاة والسلام أوّل ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال ما أكتب فقال القدر ما كان وما هو كائن الى الابد كما مرّ واللوح وهو الخلق الثانى يشبه أن يكون العرش أو يكون متصلا به لقوله عليه الصلاة والسلام ما من مخلوق الا وصورته تحت العرش* وفى أنوار التنزيل وقرئ فى لوح بضم اللام وهو الهواء أى ما فوق السماء السابعة الذى فيه اللوح* وفى المدارك اللوح عند الحسن شئ يلوح للملائكة فيقرؤنه وعن ابن عباس هو من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والارض وعرضه ما بين المشرق والمغرب قلمه نور وكل شئ فيه مسطور وعن مقاتل هو عن يمين العرش وقيل أعلاه معقود بالعرش وأسفله فى حجر ملك عظيم* وفى المواهب اللدنية قد اختلف أهل العلم فى أوّل المخلوقات بعد النور المحمدى فقال الحافظ وأبو يعلى الهمدانى الاصح أن العرش قبل القلم لما ثبت فى الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء فهذا صريح أن التقدير وقع بعد خلق العرش والتقدير وقع عند أوّل خلق القلم لحديث عبادة بن الصامت كما سبق وروى أحمد وصححه أيضا من حديث أبى رزين العقيلى مرفوعا ان الماء خلق قبل العرش وروى السدّى بأسانيد متعدّدة أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أوّلية القلم بالنسبة الى ما عدا النور المحمدى والماء والعرش* قيل أوّل شىء كتبه القلم على اللوح المحفوظ بسم الله الرحمن الرحيم انى أنا الله لا اله الا أنا محمد عبدى ورسولى من استسلم لقضائى وصبر على بلائى وشكر على نعمائى ورضى بحكمى كتبته صدّيقا وبعثته يوم القيامة مع الصدّيقين ومن لم يستسلم لقضائى ولم يصبر على بلائى ولم يشكر على نعمائى ولم يرض بحكمى فليختر الها سواى وفى رواية لما أمر الله القلم أن يكتب ما كان وما يكون الى الابد كتب على سرادق العرش لا اله الا الله ثم كتب كل قطرة نازلة من السماء وكل ورق نابت على الاشجار وكل حبة نابتة فى الارض وكل حصاة على الارض وكل رزق مقدّر للخلائق وقال فى هذا المعنى شعرا
جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرّك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزق ... ويرزق فى غشاوته الجنين
وفى هذا المعنى قيل
سهل عليك فان الامر مقدور ... وكل مستأنف فى اللوح مسطور
لا تكثرنّ فخير القول أصدقه ... ان الحريص على الدنيا لمغرور
وجه الجمع بين الاحاديث المختلفة المذكورة على تقدير صحة الكل أن يقال الاوّل الحقيقى نور نبينا صلى الله عليه وسلم وأوّلية العقل والقلم اضافية يعنى أوّل مخلوق من المجرّدات العقل ومن الاجسام القلم أو يقال أوّل العقول العقل الذى لما خلقه الله تعالى أمره بالاقبال والادبار فأطاع ففاز من رب العزة بأنواع الاعزاز والاكرام وأوّل الاقلام القلم الذى أثبت بأمر الله تعالى تقديرات الاشياء
اسم الکتاب : تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس المؤلف : الدِّيار بَكْري الجزء : 1 صفحة : 18