سائر الأقاليم: "علكيم بابن شهاب، فإنكم لا تجدون أحدًا أعلم بالسنة الماضية منه"[1]. فعمر بن عبد العزيز -وهو من هو- لا يقول مثل ذلك الكلام عن ابن شهاب إلا إذا كان الرجل -فعلًا- يستحق هذا الثناء من الخليفة العالم، بما بلغ من مكانة علمية. والحق أن ابن شهاب كان موضع احترام وإجلال خلفاء بني أمية، لأنه إلى جانب تبحره في العلوم، كان يحترم نفسه، ولم يداهن في الحق[2].
وقد امتاز محمد ابن شهاب الزهري عن معاصريه بكثرة الكتابة والتدوين واقتناء الكتب. وكان إذا جلس في بيته بين كتبه اشتغل بها عن كل شيء سواها من أمور الدنيا، حتى يروى أن امرأته كانت تقول له: "إن هذه الكتب أشد عليَّ من ثلاث ضرائر"[3]. لاشتغاله بها عنها.
وكان اهتمام الزهري بالكتابة والتدوين هو الذي مكنه من نشر علمه، وبوأه تلك المكانة العلمية الرفيعة التي حظي بها في أوساط العلماء، وفي بلاط الخلفاء ومجالسهم وكان هو شديد الفخر بذلك، وروي عنه أنه كان يقول: "ما نشر أحد من الناس هذا العلم نشري، ولا بذله بذلي". ولقد ضاع ما كتبه ودونه الزهري بنفسه، ولم يصل [1] انظر وفيات الأعيان، ج4، ص177. [2] انظر المغازي الأولى ومؤلفوها، ص58. [3] انظر وفيات الأعيان، ج4، ص177.