اسم الکتاب : القول المبين في سيرة سيد المرسلين المؤلف : محمد الطيب النجار الجزء : 1 صفحة : 19
وقد بدأ القائد الحبشي في بلاد اليمن -ويسمى أبرهة الأشرم- ببناء كنيسة سماها القُلَّيْس وبذل لها ما استطاعه من العناية. حتى إنه نقل إليها من قصر بلقيس أعمدة من الرخام المجزع، والحجارة المنقوشة بالذهب، ونصب فيها صلبانًا من الذهب والفضة، ومنابر من العاج والأبنوس، ودعا الناس إلى الحج إليها[1].
فغضب العرب وثار رجل من بني مالك بن كنانة وأقسم ليعبثن بهذه الكنيسة، وقدم إلى اليمن ودخل الكنيسة كأنه متعبد حتى إذا جاء الليل وخلا المكان قام يعبث بأثاث الكنيسة ويلطخ جدرانها بالقاذورات[2]، ولما علم أبرهة في الصباح بما أصاب كنيسته وعرف أن أعرابيًّا كان يبيت بها وأنه المتهم بالعبث ببنائه المقدس، أقسم ليهدمن الكعبة، وجهز لذلك العدة والعديد[3] والبأس الشديد..
وأقبل جيش الحبشة من اليمن فأشرف على مكة بعد أن تخطى إليها التلال والنجاد، والهضاب والوهاد، والصحراء القاسية المترامية، وبعد أن كاد يضل في شعاب الجزيرة الشائكة ومسالكها المشتبكة، ثم استقر بمكان قريب من مكة
1 "سيرة ابن هشام" 1/ 44، "دلائل النبوة" للبيهقي 1/ 117، "الروض الأنف" للسهيلي 1/ 63، "البداية والنهاية" 1/ 170، "المواهب اللدنية" 1/ 101 وغير ذلك.
وقال السهيلي في "الروض الأنف": سميت القلَّيْس لارتفاع بنائها وعلوها، ومنه القلانس لأنها في أعلى الرءوس ... [2] وفي أكثر الروايات أنه قعد فقضى حاجته، فأحدث وبال، وهذا القول مروي عن ابن عباس وغيره، وذكره من قدمنا ذكرهم، وهو الذي عليه الأكثر.
وقيل: أجّجت فتية من العرب نارًا قرب الكنيسة، فحملتها الريح، وكان في عمارة القليس خشب مموه فأحرقته، وهذا القول منقول عن مجاهد.
وقيل إن نفيلًا الخثعمي كان يتعرض لأبرهة بالمكروه، ثم إنه جاء ليلة بعذره فلطخ بها قبلة الكنيسة، وألقى فيها جيفًا. [3] فقيل: إنه بلغ عددهم ستين ألفًا.
اسم الکتاب : القول المبين في سيرة سيد المرسلين المؤلف : محمد الطيب النجار الجزء : 1 صفحة : 19