اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 98
خامسا: النضج الفكري
شاهد القرن السادس الميلادي تطورا عقليا في كل أرجاء المعمورة بشكل لم يعهده الناس من قبل حتى كأن البشر قد ترقوا من طفولتهم الذهنية إلى مرحلة بلغ فيها الإنسان أشده -كما يقول الشيخ/ محمد عبده[1]- ولعل المراد من النضج العقلي المذكور هو وصول الإنسان إلى التفكير الكلي المنظم، الذي يستنتج من المحسوس، ومن القضايا العقلية أشياء أخرى غيرها، وينظر الحياة نظرة فيها الرضى القائم على التحليل والنقد، أو السخط المعتمد على الدليل والمناقشة، ويحاول دائما السمو إلى العلا والتقدم.
إن طفولة الإنسان كانت تقوم على المحسوس فقط، تنبهر بالعجائب، وتندهش بالظواهر الخارقة كعهدها مع الرسالات السابقة؛ لأن الخوارق إليهم كانت حسية، كانوا يؤمنون بعدها خائفين ومندهشين، كما حدث لما أحيا المسيح شابا في مدينة "نايين" فقد أخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين: قدم قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه[2].
ولقد كان عصر الدعوة الإسلامية يوافقه عصر نضج عقلي واضح، ساد العالم كله، وقد تجلى هذا الواقع في نقد ظهر في كل مكان، متجها إلى العقيدة [1] رسالة التوحيد ص155. [2] إنجيل لوقا - الإصحاح السابع - فقرات 14-16.
وعاشت في نفوسهم وأحلامهم؛ ولذلك كانت نهايتها أمنية صادقة على مستوى هذا الشمول وهذا العمق، فلما جاءت الدعوة الإسلامية هادفة إلى تغيير جذري في المجتمع، وإزالة الصراع والآلام من حياة الناس، وتحرير العبيد، والمنبوذين، والأُجَراء من وضعهم البائس، ووضعهم في الإطار النظيف الذي وضعته للناس أجمعين بما فيه من كرامة وحرية ومساواة، لما جاءت هكذا آمن بها الجميع وانتشرت بسرعة عجيبة قوية.
اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 98